«في السنوات الثلاث الأخيرة بدأت بالانقطاع التدريجي عن نشر المقالات والترجمات وحتى الشعر في الصحف والدوريات.. تخلصت بذلك من عدة أشياء منها انتظار صدور المادة وخضوعها لحذلقة المحرر قبولاً أو رفضاً أو تعديلاً, وتخلصت كذلك من الرقابة بأنواعها.. كما أنني لم أعد أصدق بأن هناك الكثيرين اليوم ممن يشترون الصحف أو يقرؤون الصفحات الثقافية فيما لو اشتروها». هذا هو بعض ما كتبه الشاعر السوري تمام التلاوي فوق حائطه على الفيسبوك قبل أيام، فيما يعتبر مثالاً صريحاً حجاب يفصل ما بينه وبين ذلك «القارئ المجهول» الذي ليس هناك من سبيل للوصول إليه والتواصل معه. وواضحاً على أن عدداً متزايداً من الكتاب والمبدعين أخذوا يديرون ظهورهم للمطبوعات الورقية التقليدية. إن ما لا يرتقي إليه الشك، حسب ما يعتقده المتخصصون وغير المتخصصين في شؤون الإعلام والنشر، هو أننا نمر بمرحلة انتقالية تدريجية من وسائل النشر التقليدية إلى الوسائل غير التقليدية، حتى أن البعض يذهب إلى الاعتقاد بأن زوال المطبوعات الورقية التقليدية قد بات وشيكاً مهما اعترض وكابر المتشبثون بوسائل النشر التقليدية ممن أدمنت أناملهم مصافحة أوراق الجرائد والمجلات، ونمت بينهم وبين روائح حبرها ألفة وطيدة عبر سنوات طوال. ولا يزال خبر توقف مجلة النيوزويك العريقة عن الصدور بنسختها الورقية طرياَ في الأذهان، لتكتفي بنسختها الإلكترونية. لقد أصبح بوسع الكاتب الآن أن ينشر ما يشاء متى يشاء في موقعه الخاص أو مدونته أو صفحته الخاصة على الفيس بوك بالصورة التي يريدها، متأكداً من خروج نصه سليماً معافى من تدخل الرقيب أو المحرر اللذين عادة ما يعملان مقصيهما في نصه حذفاً وتعديلاً وتشذيباً إن كان فيه ما يتعارض مع «سياسة النشر» في الجريدة أو المطبوعة التي يتعامل معها. ومن بين إيجابيات النشر الإلكتروني الكثيرة أنه أصبح بوسع الكاتب الحصول على ردود فعل مباشرة وشبه فورية من القراء، فلم يعد هناك حجاب يفصل ما بينه وبين ذلك «القارئ المجهول» الذي ليس هناك من سبيل للوصول إليه والتواصل معه. في الساحة الثقافية المحلية، كما في الساحة الثقافية العربية حتماً، برزت في السنوات القليلة الماضية أسماء عديدة قدمت نفسها بشكل يكاد أن يكون كلياً من خلال فضاء الإنترنت، وصار يمكن الحديث عن حالة من الهجرة صوب وسائل النشر غير التقليدية من قبل الكثير من الكتاب حتى أولئك الذين اتخذوا من وسائل النشر غير التقليدي موقفاً سلبياً متشككاً في بداية الأمر.