كان إسلام جدتي رحمها الله صفحة واحدة نقية وصافية كالنبع، ولم يكن ينغصها فذلكات المصلحين ولا تهويمات الداعين إلى الاجتهاد حتى في معرفة نيات النفوس والشعوب، ومحاولة تمحيصها وفليها كلما رحلت أو جاءت حكومة بالتغلب!! عندما كبرت وجدت أكثر من إسلام، وأكثر من صورة ورأي وتفسير؛ إسلام إخواني استغلالي، وآخر سروري متزمت، وإسلام جامي وصولي، وبالطبع إسلام ليبرالي متهم بالميوعة والرخاوة، وغير مرضي عنه لدى الكثيرين.. فمن أتبع من كل هؤلاء؟! ومن يضمن لي منهم أنني على طريق الصواب؟ أحن اليوم إلى سجادة جدتي ودعواتها الصالحات، وتكبيراتها في جوف الليل قبل أن يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود من الفجر، وكلما لطختني الدنيا بتقسيماتها المرة يستيقظ الحنين في داخلي مجدداً ويأخذني إلى تلك السجادة وإلى ذلك البوح الإيماني الصادق الآسر.. أشعر أن ثمة من يغطي على اليسر والتسامح، ويستبدلهما بالتكشيرة والتعقيد والتصورات غير المنطقية، وأن ثمة من يحاول جاهداً أن يبعدنا عن الله سبحانه وتعالى برؤاه الفجة والعقيمة والمتشائمة عن الدنيا والناس، وبأحكامه القاتلة عن دين السلام والمحبة. لا يزال داخلي صافياً ومحباً للخير والسلام بكل ما فيهما من روعة الألفة وطيب المعشر، ولا يزال الدين في قلبي تصالحياً مع جميع البشر، وحينما أستفيق على هدير الرصاص وفتاوى التكفير والتفجير والانتحار أتمنى أنني قد رحلت مع جدتي رحمها الله؛ كي أحافظ على أكبر قدر ممكن من نظافة عقلي وقلبي. أبحث مثل الملايين منكم عن صفحة واحدة نقية ومثالية فيها كل ما نحتاج إليه كي تطمئن قلوبنا وننجو في الآخرة؛ ولا أعتقد أننا نحتاج إلى مزيد من هذه الصفحات التي تنمو كالفطر، وتزيدنا رهقاً وخصومة في كل عام وبعداً عن الله تبارك وتعالى. مرّ الرازي في موكب من طلاب العلم في نيسابور بعجوز فسألتهم من هذا؟ فقالوا هذا من وضع ألف دليل على وجود الله!! فقالت: لو لم يكن لديه ألف شك لما وضع ألف دليل.. اللهم إيماناً كإيمان العجائز الفقيرات المعدمات إلا من التقوى والبشر والتسامح في تهامة وفي نيسابور وفي كل مكان.