عرض الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) مأساة الشعب السوري بشكل تراجيدي مدعوم بالأرقام، مشيراً إلى نزوح نحو أربعة ملايين من النازحين داخل سوريا، إضافة إلى 700 ألف لاجئ في بلدان الجوار. وذكر أن أعداد القتلى قد تضاعفت منذ مؤتمر جنيف الأول في العام الماضي، وأن حوالي 9.30 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، وأن هنالك مأساة الموت جوعاً واستخدام العنف ضد النساء والأطفال، وأن سوريا تشهد انتشار وباء شلل الأطفال، الذي تم القضاء عليه في المنطقة. كما أعربت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (فاليري آموس) عن الاستياء لعدم تمكن المنظمات الإنسانية من الوصول إلى جميع المحتاجين في مناطق النزاع بسوريا، حيث تم تغيير الحدود العسكرية وتكاثرت المجموعات على الأرض وارتفعت أعداد الحواجز وتم إغلاق الطرقات، ما يعيق عمل المجموعات الإنسانية. وذكرت أن المنظمة بحاجة إلى 6.5 مليار دولار للستة أشهر المقبلة، وإلى 27.2 مليار دولار للعام المقبل، وعشرة ملايين دولار لدعم صندوق الأممالمتحدة للسكان، للوصول إلى 8.2 مليون شخص بالخدمات الصحية في تسع محافظات سورية. ولقد اكتفى وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) بالإعراب عن الأسف إزاء ما يجري في سوريا من جوع وعنف يسهم في تمزيق سوريا، واصفاً الوضع الإنساني في هذا البلد بأنه (إهانة) لكل ضمير حي، وأن تدهور الأوضاع في سوريا يؤدي إلى انهيار كامل في المنطقة. ولقد توقع كثيرون أن تعلن الولاياتالمتحدة عن مبادرة أو اتجاه نحو استصدار قرار من مجلس الأمن يوقف إطلاق النار، ويفتح الطريق لأعضاء الفرق الدولية الإنسانية للوصول إلى المنكوبين في بعض المناطق السورية الملتهبة، الذين يعاني بعضهم الموت جوعاً وعنف موسم الشتاء؛ مع التقدير لتبرع الولاياتالمتحدة بمبلغ 380 مليون دولار. كما أن حالة الفوضى قد أدت إلى انهيار الأمن، وحدوث حالات سرقة لسيارات الإسعاف وتوقف ثلث المستشفيات عن العمل، كما تعرضت المدارس – التي اتخذت ملاجئ للناس – للقصف، وهذا ما ينذر بفقد جيل من الأطفال السوريين. نعم كان لا بد من مواجهة صادقة مع الذات والإصرار على استصدار قرار دولي يوقف الجرائم التي تُرتكب في حق الشعب السوري، التي سوف يتبرأ منها مرتكبوها عندما تنقشع الأزمة. وهذا ما حدا بوزير خارجية دولة قطر د. خالد العطية إلى الإشارة لضرورة محاكمة المتسببين في سقوط الضحايا الأبرياء على الساحة السورية، وفشل المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته. ولقد بدأ مؤتمر المانحين ب (فزعة) كويتية قادها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد عندما تطرَّق إلى الوضع الإنساني في سوريا، وضرورة دعم الجهود الدولية لوقف النزيف السوري، حاثاً الشعب الكويتي على عمل الخير والعطاء، وأعلن عن تبرع دولة الكويت بمبلغ 500 مليون دولار من القطاعين الحكومي والأهلي، مشيراً إلى دعم الكويت كل الجهود الدبلوماسية لوضع حل سلمي للحرب الدائرة في سوريا، كما أسهمت في (الفزعة) الجمعيات الكويتية الخيرية، التي بلغت مساهماتها 400 مليون دولار. كما أسهمت دول أوروبية وبعض دول الخليج في دعم الجهود الإنسانية في سوريا، حيث تبرعت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر بمبلغ 60 مليون دولار لكل منها، وتبرعت البحرين بمبلغ 20 مليون دولار، وعمان بمبلغ عشرة ملايين دولار، والعراق بمبلغ 13 مليون دولار. ولقد توقعت الأممالمتحدة أن يصل عدد اللاجئين إلى 3.25 مليون شخص بحلول شهر يونيو المقبل، ليصل إلى أكثر من أربعة ملايين مع نهاية هذا العام. وتتضمن هذه الأرقام 270 ألف شخص من أصل 540 ألف لاجئ فلسطيني مسجلين في سوريا، الذين أجبرهم الصراع على النزوح من منازلهم. ولقد قدرت المنظمة الدولية للهجرة الاحتياطات المالية للحاجات الإنسانية في سوريا كالتالي: 9.3 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية. 6.5 مليون نازح داخل سوريا. 4.10 مليون عدد اللاجئين خارج سوريا (حتى يناير 2014). 4.3 مليون دولار حاجة الدول المضيفة للاجئين. وناشدت المنظمة المجتمع الدولي بحاجتها إلى 150 مليون دولار، وذلك لتوفير المأوى والمواد غير الغذائية والحماية والتنسيق والإنعاش المبكر والصحة ومياه الصرف والنظافة والتعليم. وكان نداء الاستغاثة في العام الماضي قد بلغ أكثر من 64 مليون دولار، بينما كانت الاحتياجات الواقعية حوالي 95 مليون دولار. أما داخل سوريا فقد كان التمويل 31.2 مليون دولار من مجموع الاحتياجات وهو مبلغ 41.10 مليون دولار. ولقد نقلت (اليونيسيف) مشاهد مروعة عن الأوضاع في الشتات السوري وفي المخيمات في الدول المجاورة، حيث إن هنالك أربعة ملايين طفل بحاجة إلى المساعدة الإنسانية داخل سوريا، إضافة إلى 1.1 مليون شخص يعيشون لاجئين في الخارج، خصوصاً مع تفشي مرض شلل الأطفال، الذي إذا لم تسمح ظروف الحرب في وصول الأمصال اللازمة للأطفال، فإن كارثة إنسانية قد تحصل. وقال مسؤول إغاثي دولي في (اليونيسيف): إن 14 مليون طفل وقعوا ضحايا أكبر ثلاث أزمات في العالم، وهي: الأزمة السورية، والأزمة في جمهورية إفريقيا الوسطى، والأزمة في الفلبين. ومن المؤمل أن تبدأ حملة تطعيم الأطفال فوراً للوصول إلى 23 مليون طفل في الشرق الأوسط (سوريا والدول المجاورة لها) هم ضحايا الحرب الدائرة في سوريا. ولقد قدرت إحصاءات أممية عدد الأطفال المحتاجين للرعاية داخل سوريا ب 4.278 مليون طفل، و2.164 مليون في المنطقة المحيطة بسوريا. وقدرت (اليونيسيف) أنها بحاجة إلى 835 مليون دولار لمواجهة التردي في العناية بالأطفال ومستقبلهم الصحي والدراسي. تعيش سوريا مأساة حقيقية، وما زالت آلة الحرب المجنونة (ومَنْ والاها) تحصد الضحايا دونما تفرقة، وما زال «أمراء الحرب» وعصابات النظام والجيش السوري وغيرهم من الأحزاب والجماعات يخوضون حرباً شعواء ضد الإنسانية وضد أهلهم (المسلمين) في سوريا. نحن نعتقد أن لا سبيل لوقف هذه المأساة إلا بتوافق المجتمع الدولي – وكل الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن – ومساندة استصدار قرار دولي بوقف جميع العمليات العسكرية والتجاوزات ضد الكرامة الإنسانية في سوريا، ولو تطلب ذلك التدخل الدولي، لأن المراهنة على سقوط النظام لم تعد مجدية في ظل «التآمر» الدولي والخلافات بين الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن حول معالجة الأزمة في سوريا. وقد تذهب كل المليارات سدى، بل قد يحتاج الوضع السوري إلى أضعافها مع نهاية هذا العام، وإلى ما لا نهاية.