عندما تضيق الدنيا ويحزب الإنسان أمره عليه أن يدعو الله ليس بنسبه بل بالعمل الصالح الذي فعله. وفي هذا ورد حديث يلفت النظر إلى هذا القانون النفسي، بأن يتذكر الإنسان عندما تشتد الأزمة أن لها حلاً بالتفكر في أفضل الأعمال الصالحة التي عملها الإنسان في حياته. في الحديث الصحيح تم انتخاب ثلاث صفات نفسية تمثل التضحية وقمة التجرد ونسيان النفس والإحسان للآخرين. أما الأنموذج الأول فهو من بر الوالدين الذي كان يسعى بخدمتهما وإرضائهما إلى درجة التقوى، وفي صباح أخذ لهم فنجان الحليب بيده ولكنه فوجئ بأن أبويه نائمان؛ فما كان منه وحباً بهما إلى انتظار استيقاظهما وبيده جرعة الحليب؛ فلما نهضا من النوم تقدم لهما بالحليب دون أن يذكر أنه انتظر الوقت الطويل حتى يستيقظا، والإنسان مع الانتظار يحس بالوقت طويلاً أكثر من العادة، ويتلاشى شعور الإنسان بالزمن عندما يفيض فيه. أما الأنموذج الثاني فهو الذي كان يحب ابنة عم له في غاية الجمال وكان يشتهي الزواج منها حتى إذا ضاقت بها الأمور يوماً وطلبت منه المساعدة وكان ميسوراً تقدم لمساعدتها بما جعلها تمتن منه كثيراً ويبدو أن وضعاً معيناً جمعهما فدعته إليها إلا أنها نبهته أن لا يفض الخاتم إلا بحقه. يقول الحديث إنه استيقظ من ضباب الشهوة وفارقها وهي أحب الناس إليه ولم يلمسها. يقول الحديث توجه الرجل مع صاحبه إلى الله بالدعاء، وكان الثلاثة في طريق جبلي، وعندما دخلوا كهفاً وقعت صخرة فسدت باب الكهف عليهم فلا أحد يسمعهم سوى هذا الدعاء الذي يرفع بالعمل الصالح. والعمل الصالح يرفعه؛ فتزحزحت الصخرة بقدر ولكن لا يسمح بالخروج. ثم تقدم الثالث بقصة من نوع مختلف عن رجل وضع أمانة عنده فلما عاد بعد فترة أعطاه ماله وما أثمر من أرباح؛ فتعجب الرجل من أريحية الرجل وأمانته واستقامته، وهناك من قصص التعامل المالي الشيء المخزي من أكل حقوق العباد. تقول القصة إن الصخرة تزحزحت كل مرة بما تكفل في النهاية بالانفراج عنهم، وخروجهم إلى نور العالم والنجاة. وهذا مغزى نفسي مهم أن يعمل الإنسان العمل الصالح ويخفيه ولا يتبجح به ويمسك الطبول والصنوج فيصرخ به على رؤوس الناس. جاء عن عيسى بن مريم في قوله عن أولئك الناس المرائين أنهم يريدون أجرهم من مدح الناس وقد أخذوه. ولكن الأعظم هو من عمل العمل فأخفاه فلا تعرف يده اليمنى ما فعلت اليسرى. فهذه قصص تربوية عظيمة.