** في أيام الشباب -الغابر- كنت مولعا بالترحال عبر البراري والقفار، متجولا في أرض العرب حتى أصل إلى أطراف أرض العجم. ** وكان يرافقني في هذا الترحال -أحيانا- رجل شمالي قليل الصبر، كثير الحمق، وكان يزين التاريخ أو يعري قبحه بطريقته الخاصة، وكنت أتجاوز حكاياته التي يخترعها خياله الخصب؛ لأنه يساعدني في قيادة السيارة فاصبر عليه مضطرا. وقد ارتأى أن يضللني في إحدى رواياته عن الأمم التي خلت، فعندما اقتربنا من مدائن صالح قال منتشيا: ها نحن نقترب من ديار -المنذر ابن ماء السماء- ثم أشار إلى أحد القبور المنحوتة في الصخر، وقال: ذاك هو بيت المنذر في أيام الشتاء.. وفي الطرف الآخر بيته الصيفي الذي كان يستقبل فيه الشعراء من كل أنحاء الجزيرة العربية.. وكان لهذا -المنذر- (يوم سعد) ويوم نحس.. وفي يوم نحسه كان يقطع رأس أول من يقابله من دون سبب. فأجبته وبطريقته التي اعتاد أن يروي بها قصصه التاريخية بأن من يكذب أو ينسب إلى قوم عاد وثمود وقوم صالح ما ليس فيهم يخرجون له من هذه الكهوف الأثرية ويسخطونه قردا. ** وصمت أبو زيد -وهذا هو اسمه- وقد خلت إنه صدق روايتي عن أولئك الذين يخرجون من قبورهم للنيل من المدعين والكذابين، ولكن ما أن وصلنا إلى الحدود -الحديثة- حتى صرخ بأعلى صوته (يا زينها عبلة!!). قلت: ومن عبلة هذه؟ قال: يا رجل ألا تعرف عبلة بنت مالك عم عنتر. قلت: لقد فهمت ولكن ما الذي ذكرك بها في الحديثة؟ ** قال: لقد كانت مضارب بني عبس هنا. وذهلت وتملكني الغضب وأوقفت سيارتي جانبا، وقلت انزل يا أبا زيد من سيارتي، فلم أعد أطيق كذبك.. هذا فراق بيني وبينك. ** قال: وإذا جئت بالدليل القاطع بأن عبلة كانت تسكن هذه الأرض؟ ** قلت: أي دليل والناس كلها تعرف أن عبلة وقومها بني عبس وابن عمها عنترة بن شداد كانوا يسكنون في عيون الجوا في أرض القصيم، فكيف جئت بهم إلى هنا؟ ** قال ضاحكا: لقد جاء بهم الأموات الذين استيقظوا في مدائن صالح وادعيت أنهم سوف يسخطونني قردا. قلت: كفى يا أبا زيد، فلنترك الأموات وديارهم، ونتحدث عن الأحياء ومن يموتون في هذا الزمن الصعب. ولا أزيد!! للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 الاتصالات أو الرقم 636250 موبايلي أو الرقم 737701 زين تبدأ بالرمز 254 مسافة ثم الرسالة