نذكر بلا شك ما قاله النقاد عن نجيب محفوظ، عند فوزه بجائزة نوبل في الآداب عن روايته أولاد حارتنا، فقد قالوه أيضا عن الروائي الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز، حين فاز بالجائزة نفسها؛ لأنهم اعتبروا فوز ماركيز بالجائزة، وهو أحد عمالقة الأدب اللاتيني، أمراً مخيباً للآمال ووقتها أثيرت الشكوك حول المعايير الفنية والأخلاقية التي يُقاس بها الإبداع المرشح لجوائز نوبل العالمية! وبرروا ذلك بأن في أمريكا اللاتينية أسماء تستحق الجائزة، ماركيز مبدع متميز حقا! لكنه ليس أفضل من بورخيس واستورياس، كانت المفاجأة حقا من ماركيز نفسه فقد أيد احتجاجات المعارضين، ووافق النقاد رأيهم، وفجّر قنبلته بأن أعلن أنه لا يستحق هذا الفوز واعتبر حصوله على الجائزة جائراً فرفضها، يومها حظي باحترام العالم واعتبروا موقفه منها ومن زملائه موقفا نبيلا وشجاعا. عندها عاد الجميع لما قاله الروائي الإيطالي الكبير ألبرتو مورافيا في الثمانينيات، حين أشار إلى أن جائزة نوبل، تعاني من اختلال المعايير، والشك في مصداقيتها قائم، ومن الضروري وضع آلية شفافة لتمايز الأعمال الإبداعية لتقويم وتقدير الإبداع الحقيقي. خلال العقدين الأخيرين حدث تطور مذهل ورائع بلا شك، في الطفرة التي شهدناها للرواية العربية أو الإبداع السردي، ويعود ذلك إلى المتغيرات الجديدة التي أحدثتها ثقافة مجتمعية مختلفة، شكلت جيلاً مختلفاً في كتابة الإبداع، ومختلفاً أيضا في تلقي وتذوق مختلف ألوان الإبداع والفنون. إبداع يعد وليد المغامرة والبوح وما تسوقه المفاجآت وما يصنعه القدر. وهو ما كان مختلفاً عن بدايات القصة العربية في الربع الأخير من القرن الماضي، لم تعد تلك المسلمات والمقومات راسخة في الأذهان، للعودة لما شهده جيل رائد من عناء في مشوار طويل؛ ليحفر في الصخر اسمه ليصبح عالقاً في الأذهان، خلال انطلاقة الرواية العربية الحديثة. في مرحلة توحدت فيها صفات ومميزات روادها في تجاربهم الأولى. فنحن اليوم نفاجأ باسم لم تكن له تجربة ولم يكن له الخبرة التي احتاج لها الجيل الأول، بأن غامر وكتب عملاً واحداً قفز به نحو الصدارة، وربما فاز عمله بجائزة من جوائز الإبداع في القصة والسرد. حتما اختلفت السمات الإبداعية والموازين كما تختلف سحنات وثيمات وجوه قراءة الإبداع عبر وسائط الإعلام الجديد وجيله الذي له فكره وقراءته المختلفة لأنماط الإبداع. ما يدعونا لتبرير هذه الفرضيات وتلك الأبجديات الثقافية انتشار تجربة السرد الجديدة، التي وجدت في وسائل عولمة الثقافة المفتوحة الجسور التي تروج لها وتسهم في سرعة انتشارها، بنفس الأسلوب الذي تتوفر فيه المعلومة للمثقف، عبر مواقع وقنوات شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإبداع عبر الإنترنت. ومن المعروف أن أغلب الأعمال السردية الجديدة لم تكن وفق المعايير الفنية وذات مستويات متذبذبة، ولم يكن لبعض كتابها، تجارب سابقة في الكتابة عموما فكيف بكتابة الإبداع؟! وما لفت النظر إليها وشد القارئ لها، هو أغلفتها وعناوينها الجريئة والمثيرة، التي تشي ببوح يكشف المستور، قبل ربع قرن أكد الروائي عبدالرحمن الربيعي، أن الرواية العربية، بحاجة للمغامرة والخروج من أسوار التقليدية، ذلك السياج الذي يتحرك في محيط دائرته الرواة في إطار المألوف، إننا حقاً بحاجة للبكاء على أوجاعنا حتى لا يكون حصادنا هشيما تذروه الرياح.