هنأ وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة الكاتبة رجاء عالم بمناسبة فوزها بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، التي أعلن عنها مساء الاثنين الماضي في أبو ظبي. وأشار خوجة إلى الظلم الذي وقع على صاحبة «طوق الحمام»، مشدداً على أنه آن الأوان لتصحيح الخطأ، مؤكداً أنها ستلقى التقدير والتكريم. وقال وزير الثقافة في صفحته على «فيسبوك»: «أهنئ أديبتنا الرائدة رجاء عالم على الفوز بجائزة البوكر عن روايتها «طوق الحمام» الصادرة عن المركز الثقافي العربي. أؤكد مرة أخرى، رجاء عالم أديبة رائدة وقد ظلمها الإعلام، وآن أوان تصحيح هذا الخطأ، وأؤكد أنها ستلقى كل تقدير وتكريم لأنها تستحق ذلك وأكثر». من ناحية أخرى، ثمّن عدد من المثقفين هذا الفوز لرجاء عالم، واعتبروه ترسيخاً للرواية في السعودية، وتتويجاً لمشروعها هي، هذا المشروع الذي بدأته قبل أكثر من 25 سنة. وقال الناقد الدكتور عبدالله الغذامي: «ربع قرن تربعت فيه رجاء عالم على كرسي البهاء النصوصي كسيدة من سيدات الكتابة العربية، هذه المرأة التي احترفت الإبداع بعقلية مهنية سخرت له حياتها وروحها ووقتها وعلاقاتها، حتى لا ترى ولا تسمع ولا تقول ولا تهجس إلا بشرط النص، وحق النص، وغايات النص، تقرأ لكي تعمُر روحها به، وتتنفس بالكلمات والصيغ، وتحلم باللغة، لا تتصل بأحد، ولا تثرثر مع أحد، ولا تستجدي ناقداً أو صحفياً أو وجيهاً ثقافياً لكي يبارك لها ويسوقها ويلعب لعبة المأذون، بين الكاتب والجمهور. لقد ظلت على كرسيها العالي لا عهد لها إلا مع الكتاب، وظلت تقدم مثالاً عملياً في أن العمل الجاد والعميق هو ما يأتي بالناس، ويأتي بالتاريخ، ويجر الجوائز والحوافز وليس العكس». وأضاف صاحب «الفقيه الفضائي»: «هاهي رجاء تزين باسمها أي بيئة ثقافية تحيل إليها، وتزين أي جائزة ترتبط باسمها، ومن المهم للبوكر أن تتزين بأسماء يرى تاريخ الإبداع أنها أسماء ذات عمق، ولا شك أن أية جائزة في الدنيا مثلها مثل أية مؤسسة وأية بيئة اجتماعية أو ثقافية، إنما تسمو وتكبر بما يرتبط بها من أسماء، كما سمت إنكلترا باسم شكسبير، وسمت حلب بمرور المتنبي، وما زلنا نفرح لأن غازي القصيبي كان يلبس شماغنا، ويحكي لغتنا، ويطل بوجهنا على ذاكرة التاريخ. وها هي رجاء عالم وعلى مدى ربع قرن، تزين ذاكرتنا وتطرز لغتنا بمنجزها الذي لا تحتاج حين ذكره إلى الدفاع عنه، أو تبريره، أو الاعتذار عنه، ولكنه عمل صالح يحسنا بأننا نبدع وبصدق ومثابرة، وهي حقاً مثال رفيع ومتميز لأخلاقيات العمل»، مشيراً إلى أنه لم يفرح «بهذه البوكر لأني أملك رصيداً عالياً من الفرح والفخر والانتماء مع اسم هذه الراقية رجاء عالم، ومنذ ربع قرن وأنا كذلك، لم يخب لي فيها ظن قط، ولم استح منها قط، ولم اعتذر لها قط، ولكنني في كل مرة يرد اسمها بحضوري في أية بقعة في العالم، أشعر أنني أتنسم رائحة التاريخ، ولذا حضرت عندي في كل قول قلته في عدد من كتبي، وفي كل لقاء لي، وأخيراً أقول أن رجاء ليست البوكر، ولكنها الإبداع وما يجلب الحديث عنها ليس هو الجائزة ولا الظرفية، ولكنها اللغة التي اختارت هذه المكية لتكون الروائية التي تدخل كل أبواب التاريخ، وتمنحنا جميعاً صوتاً لا يحتاج إلى مناسبات». مقدرات سردية متفردة واعتبرت الناقدة لمياء باعشن أن فوز رجاء عالم بجائزة البوكر هذا العام «أمر مبهج جداً، لكنه لم يكن مفاجئاً البتة. أنا شخصياً كنت واثقة من حصولها على الجائزة، فمقدرات رجاء السردية قوية ومتفردة، ولو أنها لم تفز لكانت مفاجأة تضع على قدرات اللجنة التقويمية ألف سؤال، لكن فرحتي بهذا الفوز شابها شيء من الخذلان، وذلك لتقسيم الجائزة على اثنين»، لافتة إلى أن رجاء قامة في فن الرواية، «وتستحق فعلاً أن تنفرد بالجائزة ولا يشاركها فيها أحد، حتى لو كان وزيراً سابقاً. أنا لا أعرف إن كانت اللجنة قد استكثرت فوز روائية سعودية بالجائزة الأولى منفردة، أم أن لدى اللجنة رغبة في التنويع الجغرافي للجائزة، خصوصاً وأن سعودياً آخر قد فاز بالجائزة في العام الماضي، لكن في كل الأحوال كنت أتمنى لو انفردت رجاء عالم بالجائزة نظراً لتجربتها الروائية الطويلة، وغزارة انتاجها المتميز، ونضجها الفني المتصاعد، وحرصها الدؤوب على تطوير أدواتها السردية». وعدّ الناقد معجب العدواني الفوز«تتويجاً لطموحها الدائم، وجهودها الروائية التي استمرت ما يناهز ثلاثة عقود، وأنتجت أعمالاً سردية في الرواية والقصة القصيرة والمسرح، كان آخرها العمل الروائي المتوّج «طوق الحمام» الذي يحمل السمة العامة لكتابة عالم، ويمثلها خير تمثيل، ومن تلك السمات استلهامها الدائم للتراث، وتركيزها على الجوانب المهمشة مكاناً وزماناً، فقد اختارت أن تواصل كشفها لمخبوء المجتمع المكي المتعدد، وحددت روايتها في زمان مهمش لم يتم الكشف عنه إلا في هذا العمل، لقد كتبت تاريخ تلك الفترة وذلك المكان من خلال استثمار شخصيات كثيرة انبثقت أدوارها من مشهد جريمة في زقاق «أبو الرووس»، ولعل ذلك يؤدي وظيفة روائية تتمثل في تلاؤم وتناسب ذلك التنوع والاختلاف الذي شهده، ولايزال المجتمع المكي مع هذا العدد الكبير الذي يمثل فسيفساء لشرائح اجتماعية مختلفة»، مشيراً إلى أن الفوز«يقودنا إلى الشعور بأن الرواية السعودية تتفوق بفوز خال وعالم، وتحقق إنجازها المتميز، ويبدو الأمر كذلك لكني أود أن أؤكد على أمرين يبدوان مهمين: أحدهما في كون التفوق مقصوراً على الروائيين والأعمال الفائزة، ومحدوداً بجيل روائي له خبرته الكتابية الطويلة، وهو جيل روائي برز في التسعينيات، وحقق نسباً عالية في التلقي، ولازال يقدم عطاءه المتواصل، وأملنا معقود في جيل الشباب ليقدموا إضافتهم إلى البناء الروائي السعودي». علّة «البوكر» وانتصارها ويقول الروائي يحيى امقاسم: بعد لأيٍ ومقادحات بالآراء المرجحة، وبعد أن أوشكت جائزة البوكر أن تنتصر لذاتها، وبعد أن تراجعت ترشيحات كثيرة تذهب بالجائزة في دورتها الرابعة إلى منحى جغرافي قد لا يحقق المصداقية أو الاستقلالية، وبشدّة المعسر، فقد تكشفت لنا أصوات لا أظنّها قليلة داخل اللجنة وفي اجتماعها الذي طال هذه المرة على غيرعادته قبل إعلان الجائزة، أقول انكشفت أصوات أبت أن تحقق للجغرافيا صياغة وجه آخر للجائزة، فتأكيداً للاحتدام الحاصل طيلة ساعات النهار يوم 14 آذار (مارس)، وحرصاً على حضور رجاء عالم، بل وظفراً بهذا الاسم الكبير في العالم العربي، وترسيخاً لقيمة الجائزة، كان لا بد من إيقاف كل الأصوات المنادية بفوز جهة جغرافية بعينها. تلك الأصوات التي ارتفع هزيمها منذ شهور، معللة بذهاب الجائزة لمرات ثلاث إلى المشرق، ومنها إلى السعودية تحديداً بلد رجاء عالم، التي انحصرت حظوظها في الفوز بهذه الجائزة، حتى لدى مناصريها من روائيين عرب كبار وفي المشهد السعودي ذاته، حيث فاز مواطنها عبده خال بالجائزة منفرداً في الدورة السابقة، ما جعلنا حبيسي التكهنات والتوقعات حيال هذا الاسم الذي لا نختلف عليه». ومضى صاحب «ساق الغراب» قائلاً: هذه الدورة الرابعة كان لزاماً على الجائزة أن تذهب لرواية «طوق الحمام» لرجاء عالم، أو «صائد اليرقات» للسوداني أمير تاج السر، فذلك أدعى لاستقلال هذه الجائزة وتخليصها من كل الشبهات التي تطالها مع كل دورة، وسيوثق مكانها في المشهد ويعمق ضميرها أمام العالم، هذا دون إبخاس الأعمال الأخرى حقها في الفوز، وجمع أصوات الذائقة حولها داخل اللجنة. وإن كانت «البوكر» خرجت هذه المرة بالمناصفة كانقلاب جديد على سابق ما عرف عنها وهو انفراد روائي واحد بالجائزة الأولى منها، فإنها تكشف عن أدق تفاصيل التوجهات لدى الأعضاء في هذه الدورة، فمنهم من انحاز تماماً لتغيير بوصلة الجائزة بعيداً عن المشرق، وحتى بعيداً عن السودان، وهي أصوات فاعلة، ولا نضلل حول أهمية عمل «القوس والفراشة» للمغربي محمد الأشعري مقارنة بالأعمال الأخرى ولا حتى بعمل «طوق الحمام». وتلك الأصوات لم تكن لها الغلبة من حيث العدد فيما أظن إلاّ أنها تمسكت بمبدأ التوزيع الجغرافي، هذا المبدأ الذي أشاعه الكثير عندما فاز عبده خال من الخليج، ولكون الاسم الأهم يحضر بعمل يليق بتاريخ رجاء عالم ويؤكد سطوتها الإبداعية، فقد كان لزاماً على الجائزة ذاتها أن تختار هذه الروائية الكبيرة منفردة، إلاّ أن بعض الأعضاء شاء أن ينتصر عن طريق المناصفة، ويحضر محمد الأشعري قطعاً لأهمية عمله. اهتمام بالرواية السعودية ويرى الروائي عواض العصيمي أنه «بفوز رواية سعودية للمرة الثانية بجائزة بوكر، وإن كانت الأخيرة مناصفة مع مبدع آخر، يشير إلى مستوى لافت من الاهتمام بالرواية السعودية التي قيل حول قيمتها ونضوجها الكثير، ويؤكد استواء السرد الروائي المحلي على أفق الرواية العربية في أكثر من عاصمة عربية سبقت غيرها في التجربة والخبرة. ولئن دار الكثير من الجدل حول رواية «ترمي بشرر» وأحقيتها بالجائزة التي نالتها العام الماضي، فإن دخول الكاتبة القديرة رجاء عالم في ميزان الجدارة بالمركز الأول، يضع المشهد الأدبي المحلي في ذروة الحديث عن المتانة الروائية والخبرة السردية الطويلة والمغامرة الكتابية العالية التي تميزت بها رجاء عالم في كل أعمالها، وبالتالي يمكن الآن القول إن الفن الروائي في مستوياته الراقية سيكون أحد الخيارات الجيدة لذوي الذائقة العالية التي لا تبحث عن سبب ترفيهي يساعدها على الاسترخاء»، مشيراً إلى أنه «عندما تعلن بوكر العربية عن فوز رواية تستحق الإشادة فإنها تنتصر لكل ما هو بعيد عن الترهل والخمول والنعاس المضروب أو المفروض على الإنسان العربي في كثير من مناحي الحياة».