حذَّر إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور عبد الرحمن السديس في خطبة الجمعة أمس من التفريط فيما كان عليه منهج السلف والانغماس في الفتن والصراعات تحت دعاوى الجاهلية، في تشويه لشعيرة الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام وضوابطه الشرعية. وأشار إلى أنه من المؤلم حقاً أن نرى أقواماً من أبناء الملة في أعقاب الزمن والخلف قد فرطوا فيما كان عليه منهج السلف فاستقوا كثيراً من مشارب أهل الزيغ والضلال، وخالفوا الأسلاف النجباء ومنهجهم البين الوضاء، فقذفوا بأنفسهم في أحضان الفتن العمياء الهوجاء وزجّوا ببعض أبناء الأمة إلى بؤر الفتن والصراع تحت رايات عمياء ودعوات جاهلية في بعد واضح عن الاعتدال والوسطية، بل وأغروهم ببعض الأعمال الإرهابية من تدمير للممتلكات وتفجير للمساجد والجامعات والمستشفيات، مخالفين بذلك صحيح المنقول وصريح المعقول ومنهج السلف المصقول، ودون مراعاة لمقاصد الشريعة، لافتاً النظر إلى أن هذا هو عين اتباع الهوى ونائبة النوائب. وذكر أنه إنه عندما تخيّم على الأمة ظلال الفتن وحينما تتقاذف سفينتها أمواج المحن تعظم حاجتها إلى رسم طريق للنجاة لتصل إلى بر الأمان وشاطئ السلام وهذا الطريق هو لزوم السنة الغرّاء التي تعّطر الأقطار والأرجاء. وبيّن أن الإسلام العظيم تآخى فيه وفي سنته جميع الأجناس فكان الناس تحت راية الإسلام كلهم سواء لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، مستشهداً بقوله تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير». وأضاف: «فتح الله البلاد على أيدي المسلمين ودانت لهم كثير من وهاد الدنيا وبلدانها وبقاعها وأصقاعها فأقضّ هذا الشأن العظيم للإسلام ولأهله مضاجع الذين كانوا في الحضارات الأخرى ينعمون وفي عزها يرفلون ثّم ورث أهل الإسلام ديارهم وأموالهم وأقام أهل الحضارات الغابرة العداء لهذه الأمة عداء محكماً على الرغم مما فعله أهل الإسلام في أراضيهم من إعلاء لكلمة التوحيد ورسالة الخير والرحمة والتسامح، ومع ذلك أرادوا أن يعود الإسلام ضعيفاً كما كان أول أمره ويتفّرق أهله ويأبى الله إلا أن يتم نوره». وذكر السديس: «وما كانت القرون المفضلة تنقضي حتى ذرّت الفتن بقرنها على الأمة فقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وكان هذا باب الفتنة الذي لما كُسر فُتح دون انغلاق، ثم آل أمر هذه الأمة بعده إلى عثمان ابن عفان – رضي الله عنه وأرضاه – ورجعت الأمور في أيام قليلة إلى سابق عزتها وقوتها لكن أعداء الأمة كانوا لها بالمرصاد فبثّوا الفرقة في عهده وحرّكوا العامة من المسلمين في غيرة دينية ليست على وفق السنة فآلت بهم هذه الحماسة إلى أن يكونوا يداً للعدو المتربّص للإسلام ولأهله فقتلوا خليفة المسلمين، وبعد ذلك آل الأمر بالاختلاف في الأمة إلى مقتل أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب أبي الحسينين – رضي الله عنهم أجمعين- واستبيحت ديار الإسلام ومعاقل الإيمان وقتل أهلها في أيام تعّد من أسوأ أيام التاريخ، ثّم هدم بعدها جزء من قبلة المسلمين واستبيح جزء منها بالمنجنيق بسبب هذه الخلافات في الأمة حيث التقى الأعداء على الكيد للإسلام وأهله. ومضى يقول» لقد دارت الأيام ومضت القرون وظهر هذا القرن الأخير وهو عزّ للإسلام وانتشار للخير والدعوة وارتفاع لرايات السنة والسيرة المحمدية بقوة الإسلام وأهله وكان من أسباب ذلك ظهور ولاية هذه البلاد المباركة وعنايتها بالسنة الغراء، حيث اسّتتب الأمن وعظمت رسالة الأمة وصارت رسالة الإسلام وقبلة المسلمين للناس قاطبة، مشيراً إلى أن هذه البلاد المباركة ستظل بفضل الله أولاً، ثم برعاية بلاد الحرمين الشريفين وبتآلف ولاة المسلمين وعلمائهم قوة راسخة شامخة هذه القوة أقضّت مضاجع الأعداء في زمننا من جديد، فرجع العداء كسابقه في القرون الأولى إلى ما كان عليه من الرغبة في تفتيت هذه الأمة وتشرّذمها بدءاً بتفتيت دول المشرق العربي وجعلها طوائف وأحزاب يخالف بعضها بعضاً ويقتل بعضها بعضاً ثم تفتيت أهل السنة والجماعة وبثّ الفرقة فيهم، كما بثّت في عهد الخليفة عثمان – رضي الله عنه – وحتى يلقى المسلمون ما لقي أسلافهم من ظهور الخوارج وظهور الفرق المختلفة حتى أصبح المسلمون شيعاً متفرقين وتتّفتت هذه القوة العربية والإسلامية من جديد، وتضعف شوكة أهل السنة والجماعة التي تفّل الحديد». وحثّ السديس المسلمين في أصقاع العالم إلى الاعتصام بحبل الله والتمسك بسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – والرجوع إلى الإسلام في كل شيء والبعد عن المذاهب الطائفية والتصنيفات الفكرية. وأوضح أن بلادنا وهي تحمل لواء الدفاع عن منهج سلف هذه الأمة بل وعن قضايا العرب والمسلمين لتحّتم على نفسها أن تحمي حوزة الإسلام عامة وحوزة أهل السنة والجماعة خاصة، فإن مسؤولية الإسلام وأهله والدفاع عنه منوطة بولاة الأمر، لأن البيعة منعقدة فيهم ولهم، وهم الأدرى بما يحوط الإسلام وأهله وما يدفع الخطر عن هذه الأمة الإسلامية. وفي المدينةالمنورة قال إمام وخطيب المسجد النبوي علي بن عبدالرحمن الحذيفي في خطبة الجمعة أمس : إن عز العبد في كمال الذل والمحبة لرب العالمين، وإن هوان العبد في الاستكبار والتمرد على الله والخروج على أمره ونهيه، مستشهداً بقول الحق تبارك وتعالى (من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور). وأوضح أن التوبة إلى الله هي أعظم أنواع العبادة إلى الله جل وعلا، والتوبة من الكفر هي التوبة العظمى قال الله تعالى عن هود عليه السلام (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين)، مشيراً إلى وجوب التوبة على الجميع، حيث يقول الله عز وجل في محكم التنزيل، (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون). وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن معنى التوبة هو الرجوع إلى الله بترك الذنب الكبير أو الصغير، ومما يعلم من الذنوب ومما لا يعلم ومن التقصير في شكر نعم الله.