بصدور بيان أرامكو، بعد ظهر أمس، تكون نتائج حادثة سقوط منصة السفَّانية قد اتضحت على نحو شبه نهائي من ناحية الخسائر البشرية. البيان تحدَّث عن انتشال جثة المفقود الثالث بعد انتشال جثتين في وقت متأخر من مساء الجمعة، وبهذا تستقرُّ النتائج البشرية عند وفاة ثلاثة آسيويين «هنديان وبنغالي»، وإصابة 11 شخصاً إصابات محدودة، ونجاة ال 13 الآخرين الذين كانوا على متن المنصة وقت الحادث. من جهته؛ أكد الناطق الإعلامي بحرس الحدود في المنطقة الشرقية العقيد بحري خالد العرقوبي ل «الشرق» أن ملفَّ الحادثة بات لدى شركة أرامكو وحدها، واصفاً ما حدث بأنه «حادث عمل»، مضيفاً «لن نتدخل في تحقيقات الشركة، إلا بوصفنا مراقبين فقط». وأشار إلى أن هناك إجراءات روتينية سوف تتمُّ بخصوص الضحايا المتوفَّين في الحادث، تمهيداً لترحيل جثامينهم إلى بلادهم. وفيما يخصُّ المصابين الثلاثة الذين خضعوا للعلاج في مستشفى أرامكو السعودية بالظهران؛ علمت «الشرق» أن المُصاب مشعل بن سالم الكبيبة (25 سنة) غادر المستشفى مساء أمس الأول الجمعة، فيما غادر المقيم الهندي باني خان (50 سنة) أمس متعافى من كسر في إحدى ذراعيه. أما الشاب هاشم يوسف الشرفاء، فلا يزال في المستشفى، لكن وضعه مطمئنٌ جداً، وقد أصيب بشرخ في ساقه وجرح في جبينه وكسر داخلي محدود في أنفه. وقال بيان أرامكو أمس إن الجهود الحثيثة لفرق الاستجابة للحالات الطارئة في الشركة استمرت طوال الليلة السابقة وصباح «السبت»، وأدت إلى انتشال جثث عمال مقاول الشركة الثلاثة المفقودين، بعدما غرقت الجمعة منصة الصيانة البحرية المتحركة «العربية – 4»، التابعة للشركة في مياه السفانية أثناء إجراء أعمال صيانة، وقد تم تسليم الجثث الثلاث للجهات المعنية، بينما عبَّرت إدارة الشركة عن بالغ أسفها وعزائها لذوي المتوفين في الحادث، وهم اثنان من الجنسية الهندية، والثالث من الجنسية البنغالية. وكانت فرق الاستجابة للطوارئ في أرامكو السعودية قامت مساء أمس بالتعامل مع الحادث فور وقوعه، مستعينة بمروحيات الشركة وقواربها، وفرق الغوص المتخصصة، وفرق الإخلاء الطبي، وساهمت جهودهم في تطبيق خطط الشركة لمثل هذه الطوارئ، والتعامل مع الحادثة بشكل فاعل، والحد من تأثيرها على العاملين في المنصة، إذ نجحت هذه الفرق في إجلاء 24 عاملاً من طاقم المنصة، ونقلت فوراً عدداً محدوداً منهم للفحوصات وتلقي العلاج اللازم حسب الحاجة، وقد اطمأنت الشركة على سلامتهم جميعاً، وباشر فريق متخصص من الجهات المعنية التحقيق في تفاصيل الحادث. إلى ذلك، باشرت الشركة تحقيقاتها في الواقعة. وعلمت «الشرق» أن الشركة تعاقدت مع شركة «Arabian Marine» لإجراء صيانة للمنصة بتكلفة 10 ملايين دولار. «في ثوانٍ محدودة جداً؛ امتلأ المكان بالماء، والمنصّة منكسّة بشكل مرعب، والزملاء متناثرون، ولا وقت لأحد إلا بمحاولة إنقاذ نفسه»..! بهذا المعنى، لا اللفظ تحديداً، سرد الناجي من سقوط منصّة السفّانية هاشم يوسف الشرفاء قصته كما عاشها ورآها بعينه ومن دون رتوش أو مبالغات. وحين زارته «الشرق» في مستشفى الظهران، عصر أمس، بدا مبتسماً هادئاً، وقال «كُتب لي عمر جديد»، وأبدى أسفه على الضحايا الثلاث الذين تُوفّوا في الحادث. كان هاشم وسط أصدقائه الذين عادوه للاطمئنان، وكانوا ودودين ومبتسمين مثله، لكنّ أحدهم بدا متأثراً جداً حين رأى الجرح في قدم صديقه هاشم. خرج هاشم من الحادث بثلاث إصابات غير خطرة، جرح في جبينه، وكسر داخلي في أنفه، وشرخ في ساقه. ووضعه مطمئنّ جداً، وقد خرج زميلاه المصابان الآخران من المستشفى بعد العلاج، وهما سعودي اسمه مشعل بن سالم الكبيبة (25 سنة)، وهندي اسمه باني خان (50 سنة) أصيب بكسر في إحدى ذراعيه. أما هاشم فلا يزال في المستشفى لمزيد من الاطمئنان. وقال هاشم «أنا تحت رعاية طبية من أرامكو السعودية»، وهي حسب تعبيره من أفضل المؤسسات الطبية في المملكة. هكذا أصرّ هاشم على إطراء الشركة العالمية التي يعمل فيها. وتأكيداً لما ذكره قال «لولا أن لدى أرامكو استعداداتها الهائلة لما حصلنا على الإنقاذ السريع والعلاج الأسرع». بدا هاشم معجباً بأرامكو التي بدأ عمله فيها متدرباً بعد حصوله عل الثانوية، وامتدّ تدريبه عامين، ومن ثم تمّ توظيفه في السفانية. سألناه: ما هي القصة يا هاشم..؟ وماذا حدث..؟ فقال: لم تمهلنا المنصة سوى ثوانٍ معدودة حتى وقعت في الماء.. إنها المرة الأولى التي تفعل بنا المنصة ذلك. سقطت ولم يكن أمام كلّ منا إلا اتباع غريزة البقاء، والتشبّث بأي شيء خارج الماء. كان هاشم يتحدث مبتسماً وهادئاً على الرغم من أنه كان يروي تجربة مرعبة. أضاف: كنت جالساً وزملائي في الخارج على سطح البارجة، ومن دون سابق إنذار بدأت المنصة في السقوط، بسبب عطل في أحد قوائمها، وخلال ثوانٍ امتلأ المكان بالماء. أول شيء فكرت فيه هو أن أنجو بنفسي. ما حدث لي مع سقوط المنصة هو وقوعي في جانب المنصة الغارق، ونصفها الآخر كان مرتفعاً وشاهدتها بشكل مائل.. وبشكل تلقائي حاولت الصعود ركضاً.. لكنني انزلقت ووقعت على وجهي فلم أبال بالألم الذي حلَّ بي.. عاودت الركض نحو الأعلى مرة أخرى، حتى تمكنت من الإمساك بأحد الأنابيب.. حين استقرّ بي الأمر تجولت بنظري حول المكان، رأيت زملاء لي بعيدين، بعضهم يحاول السباحة نحو المنصة، وبعضهم كان بعيداً نسبياً.. بقينا على ذلك الحال متمسكين بالأنابيب والزوائد، عند الماء.. ثم جاء الإنقاذ في وقت مناسب جداً. وصل قارب نجاة. كنت وقتها قد أصبتُ بالإنهاك، وكذلك زملائي. حين وصل القارب تذوقنا طعم النجاة، وتأكد الطعم حين حملنا القارب جميعاً. وكنت أنا والمصاب الآخر الهندي في القارب نفسه. ونقلنا القارب إلى منصة في معمل فصل الزيت عن الغاز اسمه «السفانية قصب 3». وكانت هناك مروحية في انتظارنا، لكن مشكلة واجهتني وواجهت الفريق في الوقت نفسه. المشكلة هي طولي ووزني. طولي هو 188 ووزني هو 120 كيلو. لست سميناً، بل أمارس لعبة حمل الأثقال. وكنت متعباً ومتألّماً. وكان الحل هو أن أصعد سلالم المنصّة بمساعدة المسعفين وزملائي. ومن المنصة ركبت أنا وزميلي المصاب الهندي الآخر المروحية وطرنا نحو مستشفى الظهران، حيث وصلنا في الساعة 5.47 دقيقة. وبعد وصولي اتصلت بوالدي لأخبره وأطمئنه. هاشم وصف إحساسه وقت غرق المنصة قائلاً «رأيت الموت بين عيني». وقال: حاولت النجاة بنفسي، ولو أني وقعت في البحر لربما كنت في عداد الأموات. أصيب هاشم بشرخ وجرح في ساقه وكسر في أنفه إلا أنه ظل متماسكا حتى وصل لقارب النجاة حين بدأ يشعر بالدوار، إلا أن زملاءه حاولوا التحدث معه طوال الوقت حتى لا يفقد وعيه. في مكان آخر كان خبر سقوط البارجة قد وصل لأهل هاشم بعد أن انتشر الخبر في الإنترنت، وتم نشر اسمه، فأخذ أصدقاؤه في الاتصال للاطمئنان على وضعه. اتصل هاشم بوالده بمجرد وصوله للمستشفى عند الساعة السادسة مساء، بينما كادت والدة هاشم أن تفقد وعيها وأصيبت بالرعشة عندما تلقت الخبر لأنه أكبر أبنائها بين ستة أبناء، وهو متزوج ولديه ابنة تبلغ من العمر أسبوعين..