لا تختلف جريمة تنظيم القاعدة في اقتحامه مستشفى العرضي بمجمّع وزارة الدفاع اليمنية، عن جرائم التنظيم المستمرة طيلة ثلاثين عاماً تجاه الأبرياء من مسلمين وغيرهم، وتجاه المعاني السامية للدين والإنسانية. فلقد انتهج التنظيم سبيل العنف العاري، ثم أخذ يصب عنفه هذا على الأبرياء الغافلين بتسلل كوادره خفيةَ إلى تجمعاتهم وأفرادهم وانتهاج قتل الغيلة وقتل البراءة اللذين تَبْرأ منهما أخلاقيات الشجاعة مثلما يبرأ الحس الإنساني من كل عنف عدواني. ولهذا فإن الموت الإرهابي المنفلت من رشاش أو حزام ناسف على رجل خرج إلى السوق ليشتري خبزاً وحليباً لأطفاله لا يختلف عن موت طفل ذاهب إلى مدرسته أو عسكري منتصب في خفارته وفي جيبه ورقة بالمقاضي التي طلبتها زوجته. وهؤلاء ليسوا أقل دلالة على الفجيعة واستثارة للغضب من أطباء المستشفى وممرضاته ومرضاه حين يسلِّط عليهم الإرهاب رشاشاته وقنابله وأحزمته الناسفة. وعلينا أن نمد هذا المنظور إلى كل الجماعات الإرهابية، التي تتسمّى بغير «القاعدة»، أو التي ظهرت في قديم التاريخ أو ستظهر في مستقبله، ممن يتوسل بقتل الأبرياء خفيةً أو لا يبالي بخلطهم بالمحاربين، رهاناً للوصول إلى مكتسبات فئوية وحزبية ضمن المجتمع الوطني أو الديني أو الإنساني. لماذا -إذن- اعتذرت القاعدة عن جريمتها في مستشفى العرضي ولم تعتذر عن سواها؟! هل باتت أقل إجراماً ووحشية وأدنى إلى الشعور الإنساني؟! هل ستغدو أحرص على التمييز بين من يستحق غدرها وعدوانها ومن لا يستحق؟! وكيف لها أن تستشعر ذلك ما دامت مهنتها ومهمتها من الأصل ضد الحياة والأمن والسلام؟! كيف تصنع في ترسانة فتاويها وتأويلاتها الدينية التي استحلت بها الدماء والحرمات؟! إن اعتذار القاعدة عن جريمة المستشفى، يدلل على استشعارها مقدار الصدمة التي أحدثتها هذه الجريمة في الشعب اليمني وفي العالم بأسره. وذلك بسبب التسجيل المرئي للجريمة بتفاصيل وحشيتها! وهي هكذا تريد أن تتركز الأنظار على شيء واحد هو حربها على الطائرات الأمريكية التي تتعقب قياداتها وكوادرها. لأن جريمة المستشفى سؤال ينفجر في وجهها باحثاً عن علاقة جريمتها تلك بدعاواها الجهادية. كأن الاعتذار -إذن- مسكِّن موضعي، لا يمس منهجها في القتل ولا رؤيتها للعنف. وقد تضمَّن خطاب الاعتذار- بالنص- الإعلان عن استمرار ما تسميه جهاداً ضد الطائرات ومراكز إدارتها. وبالطبع فليست عمليات الطائرات الأمريكية التي لا تبرأ هي الأخرى من قتل الأبرياء موضع ترحيب، لكن القاعدة هي سببها الذي لا سبب لها غيره، ولم تدخل الطائرات الأمريكية إلى اليمن إلا بحثاً عن رؤوس القاعدة وأعضائها، فخطرهم لا يقتصر على اليمن. وإذا لم يتآلف مجمل اليمنيين مع أيديولوجيا القاعدة فكيف تستحل فرضها عليهم؟! اعتذار القاعدة أسقط في يد المتطرفين والمتعاطفين معها وكشف خبيئة طواياهم. فقد هبُّوا لنسبة جريمة المستشفى للمخابرات اليمنية، أو قالوا إن الذي قتل الأبرياء في المستشفى هو الذي يقتلهم في سوريا، وفي العراق، وفي أفغانستان. ويالها من كذبة حمقاء أرادت أن تستر الإرهاب وأن تمنحه فرصة الاختباء! أما ما علينا تأكيده في خاتمة هذا المقال فهو أن يداً تستحل قتل العُزَّل والأبرياء حتى في المستشفى، لهي يد لا حدود لوحشيتها وشرها!