اتسم الصراع المزمن بين فرنساوبريطانيا بالتعقيد والعمق، فكلتا القوميتين تحمل من القوة والهمة ما يجعل القضاء على الآخر مهمة مستحيلة. ففضلا عن الروح الإمبريالية التي يتحليان بها، التي ساهمت في حدة الصراع، كان للمذهب الديني إسهام جلي في ازدياد وتيرة التوتر. فطالما استماتت بريطانيا البروتستانتية في اختراق العمق الكاثوليكي الفرنسي. ولم ينعكس ذلك الصراع على أوروبا وحدها؛ بل امتدت تبعاته إلى مختلف أنحاء العالم. فاستقلت أمريكا عن بريطانيا بفعل الدعم الفرنسي! واحتلت مصر من قبل فرنسا لقطع طريق الهند أمام بريطانيا، وتوزعت خارطة الاستعمار على أساس هذا الصراع الدائم! من يزور هذين البلدين الآن قد لا يصدق مطلقا ما دار من حروب ومن منافسة شرسة بينهما، فمع هذا التكامل الاقتصادي والانفتاح الاجتماعي والتعاون السياسي فيما بينهما حتما لن يتخيل تلك الحقب السحيقة المليئة بالقتل والتآمر والدسائس التي هيمنت على علاقة البلدين. بالتأكيد لا أحد ينكر أن هناك تنافسا اقتصاديا بين البلدين، وتسابقا سياسيا على مناطق النفوذ، والاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الصفقات والاستثمارات مع الدول النامية، إلا أن ذلك يحدث في إطار العلاقات الدولية السوية. باعتقادي أن ما ساهم في تهذيب العلاقة بين القوميتين هو إيمانهما التام بحق الآخر في الوجود، وبعدم جدوى الحروب وكافة أشكال التنافس العنيف، بالإضافة إلى التحول الديمقراطي. وحقيقة دائما ما أشبه الصراع العربي الفارسي بالصراع الفرنسي الإنجليزي، فالظروف تكاد تتشابه تماما: قوميتان متجاورتان ويدينان بدين واحد بمذهبين مختلفين، ويحكم هذه العلاقة التنافس والنزعة القومية المستترة بالغطاء الديني لكسب أكبر قدر ممكن من الحلفاء والنفوذ، في ظل أنظمة سياسية تقليدية غير ديمقراطية. فإيران تحكمها أقلية متعصبة مذهبيا وقوميا في ظل قبضة أمنية محكمة، وهي ذلك البلد الذي يغص بالمذاهب المتعددة والقوميات المختلفة، التي تعاني من تدهور حقوق الإنسان ومصادرة الحريات العامة. والدول العربية ليست بأفضل حال من إيران إلا فيما يتعلق بالأقليات المذهبية التي تحظى بهامش نسبي لممارسة شعائرها الدينية. وهذه الدول ينطبق عليها ما قاله المفكر القومي ساطع الحصري: «يقولون لماذا انتصرت إسرائيل وهي دولة واحدة والعرب سبع دول؟! والحقيقة أنها انتصرت وهزم العرب لأنها دولة واحدة وهم سبع دول!» في إشارة إلى تباين وجهات النظر في ظل قيادات مختلفة. وهذا ما ينطبق تماما على حال العرب مع إيران، فدول الهلال الخصيب خارج المنافسة، لأنها أصبحت مناطق نفوذ إيرانية (العراق، سوريا، لبنان) باستثناء الأردن وفلسطين المحتلة. أما دول الخليج فسياستها الخارجية متباينة وضعيفة عسكريا وإعلاميا، مما يجعلها عاجزة عن تصدير الديمقراطية للداخل الإيراني.