أثار الحديث عن احتمال استخدام غاز الكيمتريل Chemtrail من قبل أمانة جدة لتفريق السحب، لغطاً أنهته الأمانة بنفي لجوئها إلى استخدام هذه المادة الخطرة التي تُصنَّف على أنها من أسلحة الدمار الشامل. وبقدر ما أثارت القضية قلقاً بين الناس، بعد الترويج لشائعة لجوء الأمانة لهذا الإجراء لتفريق السحب المطيرة فوق جدة، بقدر ما انطوى على شيء من السذاجة التي نسفته، بدءاً من عدم إمكانية حصول الأمانة بهذه السهولة على سلاح من أسلحة الدمار الشامل، فضلاً عن عدم إمكانية السماح باستخدام مادة كيميائية شديدة الخطورة بهذه البساطة. كما لم يثبت أن منظمة العفو الدولية رفعت قضية على أمانة جدة بهذا الخصوص. لكن ثمة أكثر من سابقة على استخدام دول مثل روسياوالصين لمواد لم تعلن عنها لتفريق السحب فوق مناطق محدودة منها، وخلال مناسبات محدودة. ومن ذلك إنفاق روسيا نحو 40 مليون روبيية (1.3 مليون دولار) لتفريق السحب من سمائها في يومها الوطني الذي صادف التاسع من مايو الماضي بهدف الحفاظ على طقس موات للاحتفالات. وقال رئيس برلمان موسكو «أندريل تسيبين» آنذاك إن التكلفة تعتمد على طول مسار رحلة الطائرة المكلفة بذلك. وخلال حفل افتتاح بطولة الألعاب الأولمبية في الصين في أغسطس 2008 أطلقت الصين 1104 طائرات من 21 موقعاً في العاصمة بكين لتفريق السحب، وتبديد أي احتمال لهطول أمطار خلال الحفل، على الرغم أن من أن الصين تُعتد من الدول التي تستقبل أمطاراً أقل من سائر دول العالم بنحو 35%. لكن إمكانية استخدام هذه المواد متاحة لدى دول عظمى كالصينوروسيا. وخلال شهر أغسطس الماضي، ناقش علماء سويسريون التقنيات المتاحة لتفريق السحب عندما يخشى من خطر الفيضانات. وطرح العلماء على طاولة البحث إمكانية استخدام الليزر لإبعاد السحب عن السماء في مناطق محددة. وتوصلت اختبارات معملية لباحثين سويسرين إلى إمكانية تفريق السحب وإبعادها نحو البحر أو المناطق غير المأهولة وإبقائها بعيداً عن حدث معيَّن. وعلى النقيض من ذلك، تنشط برامج في أنحاء العالم تستهدف استمطار السحب، لتحقيق أغراض عديدة. وتتم بأكثر من طريقة، أشهرها إطلاق «يوديد الفضة» أو «الثلج الجاف» على السحب بهدف إيجاد ظروف مواتية تشبه الظروف الطبيعية المناسبة لهطول المطر. وتبدو التقنيات المستخدمة في ذلك غير ضارة بالصحة، حيث أخضعت للبحث العلمي لسنوات طويلة ولم يثبت وجود ضرر مباشر لها على الصحة. وتعود تجربة استمطار السحب إلى حقبة الأربعينيات من القرن العشرين. وقد بدأتها الولاياتالمتحدة وسجلت نجاحات فيها للدرجة التي جعلت تجاربها في هذا المجال روتينية وتتزايد بمعدلات ثابتة سنوياً، كما يلجأ إليها عديد من الوكالات العاملة في الاستصلاح الزراعي. وكانت أولى التجارب التي أجريت في هذا المجال تمت على يد «فينسينت سكايفر» من معامل جنرال الكتريك في 13 نوفمبر 1946 بالولاياتالمتحدة. أما أول تجربة ناجحة لاستمطار السحب فقد تمت في أستراليا خلال شهر فبراير 1947 ونفذتها منظمة الكومنولث للأبحاث العلمية والصناعية في أستراليا. وشهدت هذه التجارب نجاحات لاحقة تمت في تسمانيا عام 1964. كما أن لعلماء جامعة جنيف تجارب في مجال استخدام الليزر في تكثيف المياه من السحب أو تشكيل الجليد واستعجال هطوله. وذكر تقرير لإدارة المياه في كاليفورنيا هذا العام أن مشروع استمطار السحب ينتج 18 مليار قدم مكعبة من المياه سنوياً، وهو ما يعادل نصف كمية المياه في خزان فولسم الأمريكي وتصل تكلفة ذلك إلى 2.27 دولار لكل 45 ألف قدم مكعبة من المياه وهو ما يقل عن تكلفة أي مصدر آخر للمياه. وأصبح تلقيح السحب أو استمطارها روتيناً تلجأ إليه الجهات العاملة في الاستزراع بالولاياتالمتحدة، وبينما خُصِّص العقدان الأولان من تجربة الاستمطار لإجراء التجارب الحقلية والمعملية، فإن الأربعين عاماً التالية شهدت استخداماً واسع النطاق لهذه التقنيات في الإنتاج الزراعي. ووصلت كفاءة عمليات الاستمطار حداً، ساهم في تكهنات أسندت فيضانات كلورادو في الولاياتالمتحدة التي حدثت في 10 سبتمبر الماضي لتلك العمليات. لكن «أندرو همسفيلد» كبير الباحثين بالمركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في كلورادو، نفى أن يكون برنامج استمطار السحب في ولاية كلورادو الأمريكية مسؤولاً عن الفياضنات التي قيل إنها الأشد منذ 100 عام، مؤكداً أنه لا يوجد دليل علمي يؤيد مسؤولية البرنامج عن حدوث العواصف الممطرة المدمرة. وبيّن أن يوديد الفضة حتى ولو استخدم بكثافة عالية، لا يمكن أن ينتج عنه تلك الفيضانات، مؤكداً أن ما حدث يفوق طاقة البشر. وتعتمد نظرية استمطار السحب على أن كمية الأمطار التي يمكن أن تنتجها السحب تعتمد على كمية حبات الثلج الموجودة بها. وبالتالي يهدف استمطار السحب إلى زيادة حبات الثلج ألجاف في سحابة معينة حتى يتحقق المطر فعلاً. فمع انخفاض الحرارة نتيجة تشكل المنخفض الجوي، يتحول بخار الماء في السحب إلى قطرات ماء سرعان ما تتكثف وتتحول إلى حبات من البرد، يزداد حجمها بتكاثف الماء على سطحها، ومن ثم تبدأ في السقوط نتيجة لزيادة وزنها، وما أن تمر بمنطقة حد الانصهار (0 درجة مئوية) حتى تتحول إلى قطرات ماء تهطل في صورة مطر. وثمة ثلاثة مكونات يمكن استخدامها في استمطار السحب، الأول هو «يوديد الفضة» وهو مركب كيميائي متبلر أصفر اللون غير قابل للذوبان في الماء. ويستخدم بصفة أساسية في تكوين الثلج، حيث يساعد تراكم قطرات الماء على سطحها في تشكيل كريستالات من الثلج ما تلبث أن يزداد حجمها لتهبط باتجاه منطقة حد الانصهار ويحدث المطر. أما المكون الثاني فهو الثلج الجاف ويعمل على تبريد بخار الماء في السحب بحيث يتكثف ويتحول إلى قطرات ماء متجمدة يزداد حجمها باستمرار لتسقط متحولة إلى مطر. أما المكون الثالث فهو الأملاح الرطبة وتعمل على استقطاب بخار الماء ومن ثم يتزايد حجمها مشكلة قطرات المطر وتتوفر هذه الأملاح بصورة طبيعية في السحب الاستوائية والأجواء الأكثر دفئاً. لكن فريق الأبحاث الأسترالي «هيدرو تسمانيا» اختبر الأنواع الثلاثة وتوصل إلى أن يوديد الفضة هو المادة الأكثر فعالية وملاءمة لظروف تسمانيا. ولم يسجل خبراء فريق أبحاث هيدرو تسمانيا سلبيات ضارة بالبيئة في عمليا استمطار السحب بمادة يوديد الفضة. وسجل الفريق ثلاثة نجاحات فعلية لاستمطار السحب، اثنان منهما تمت بالتعاون مع منظمة الكومنولث للأبحاث العلمية والصناعية. وأثبتت التجارب نجاح الاستمطار على المنطقة المستهدفة في الهضبة الوسطى في أستراليا. ويرى العلماء أن السحب ليست جميعها مؤهلة للاستمطار. إذ يستلزم الأمر وجود مستويات عالية من الماء البارد في السحب. كما يجب أن تكون درجة الحرارة ملائمة للاستمطار، إذ لا يتم تلقيح السحاب إلا عندما تتراوح درجات الحرارة داخل الغيوم بين 19 و ناقص 4 فهرنهايت وهو أقصى نطاق يمكن ليوديد الفضة أن تعمل فيه. كما يجب أن تكون الرياح مواتية حتى يتحقق ذلك. ويشير العلماء إلى أن هناك نوعين من السحب مناسبين للاستمطار الأول هو السحب الركامية، وهي سحب كثيفة تأخذ أشكالاً رأسية بزوايا حادة تشبه الأبراج والقباب في حين تكون أطرافها شديدة البياض تحت تأثير إضاءة أشعة الشمس مع عمق يميل إلى اللون الرمادي الداكن بقاعدة مسطحة. وهذه السحب تعطي فرصاً مواتية جداً للاستمطار. أما النوع الثاني من السحب فيأخذ شكل طبقات يغلب عليها اللون الرمادي مع قاعدة مسطحة نسبياً تمتد لعدة كيلومترات في كل الاتجاهات. وتستخدم في عمليات استمطار السحب، طائرة ثنائية المحرك مزودة بمولدين لمادة يوديد الفضة يستقر كل منهما تحت أحد جناحيها ويشارك في كل رحلة بالإضافة إلى قائد الطيارة ضابط مسؤول عن استمطار السحب. والطائرة مزودة بأجهزة لقياس مدى ملاءمة الطقس لتشكيل السحب. ومن ثم عند وجود ظروف مواتية، يوجه ضابط استمطار السحب الطيار للمسار المطلوب للرحلة فوق المنطقة المتسهدفة وما أن تواجه الطائرة السحابة المناسبة، يطلق الضابط المختص بالاستمطار المولدين مستخدماً لوحة مفاتيح مخصصة داخل الطائرة. وتستغرق عملية استمطار السحب حوالي 30 دقيقة لزيادة حجم حبات البرد المتشكلة إلى الحد الذي يسمح بسقوطها لتنصهر في صورة مطر بتأثير من ثقلها. وإذا كانت سرعة الرياح في المنطقة المستهدفة 40 عقدة، فإن تلقيح السحب يجب أن يتم بسرعة 20 ميلاً أو 37 كيلومتراً عكس اتجاه الرياح. ويتخذ قرار تنفيذ العملية ضباط استمطار السحب الذين يتلقون تدريباتهم في الأرصاد الجوية ويسخدمون معلومات الأرصاد كقراءات الأقمار الصناعية ومحطات الرصد الأرضية لصناعة القرار. ودلت الدراسات الي أجريت على عديد من تلك العمليات على أن استمطار السحب لا يزيد من فرص أو معدلات هطول الأمطار خارج حدود المناطق المستهدفة. كما أنها لا تقلل من فرص هطول الأمطار في المناطق المستهدفة. وحتى الآن لم يثبت أثر ضار ليديد الفضة على الصحة، ولكن ثمة منظمات عالمية عديدة تدرس تأثير استخدامه على المدى البعيد. ومؤخراً، أصبحت الصين تعوّل كثيراً على تقنيات استمطار السحب. وحققت من جراء استخدامها زيادة في مخزونها المائي بنسبة 13%. وتلجأ إليها كذلك لتبريد الأجواء خلال الأيام الحارة. ومعالجة حالة الجفاف التي تهيمن على مناطق واسعة فيها ولامتصاص الأبخرة الضارة الناتجة بكثافة عن مصانعها. وتسعى الصين إلى تطبيق استراتيجية لترويض الطقس تمتد حتى العام 2020 وتقسم الصين إلى ست مناطق وتنشئ آلية للسيطرة على الطقس فيها، وفقاً لما صرح به «ياو زانيو» كبير الباحثين في مركز تعديل الطقس في الصين. وسيتم ذلك من خلال إنشاء إدارات معنيَّة بتعديل الطقس في كل منطقة من المناطق الست وسيُسخَّر الطقس في المناطق الوسطى والشمالية الشرقية والجوبية الغربية لحماية محصولها من القمح خلال فترة الحصاد، أما برنامج المنطقة الشمالية الغربية فسيوجه لحماية البيئة. وفي الوقت نفسه، قررت الصين أن تسخر الطقس في المنطقة الجنوبية الغربية منها، لعمليات الزراعة وتوليد الطاقة الكهربائية من المياه، بينما سيخصص البرنامج في المنطقة الشمالية لتوفير مياه الشرب. وينتظر أن تخصص الصين استثمارات في هذا المشروع تقدر بنحو 177 مليون دولار بحلول عام 2014 وسيشمل ذلك إنشاء مناطق تعديل الطقس وتوفير 12 طائرة مخصصة لاستمطار السحب تدعمها منظومة تقنية مناسبة. وتخطط الصين لزيادة فرص هطول الأمطار السنوية بمعدل يصل إلى 60 مليار طن متري وتوسيع نطاق تغطية بالمطر لمساحة تصل إلى 540 ألف كيلومتر مربع بحلول عام 2020 ولا ترى الصين في استخدام يوديد الفضة خطراً يذكر، نسبة إلى المساحات الضخمة الي سيشملها المطر مقارنة بالكمية المستخدمة منه حيث يقدر ما تبثه الطائرات المخصصة لذلك من يوديد الفضة بنحو 200 – 300 جرام في الرحلة الواحدة.