عندما يتلقى المتقدم لوظيفة في القطاع العام خبر حصوله على الوظيفة، يفرح ويقول: «الحمد لله يا رب.. رزقتني هذه الوظيفة»، وبعدها تنهال التهاني والتبريكات، ومن ثم يتسلم مهامه الوظيفة ويبدأ في العمل، وبعد فترة يشعر بشعور غريب يتسرب إلى نفسه.. تتضخم «الأنا» لديه، ويؤدي عمله وكأنه يُسدي معروفاً لمن أتى إليه من المراجعين، لإنجاز معاملته، ويرى أنه متفضل عليه، مع أن المراجع عانى ما عانى حتى وصل إليه. أتساءل: متى نرى الموظف، في أي وظيفة خدمية كانت، يستقبل المراجع بترحاب وابتسامة وكلمة طيبة، ويبادره بقوله «تفضل بالجلوس وأبشر بما يسرك»، وينجز معاملته على أكمل وجه دون وضع عراقيل تقف في وجه سير المعاملة، بعيداً عن عبارتَيْ «راجعنا بكرة» و«راجعنا الأسبوع الجاي»؟ متى نصل إلى احترام الموظف المراجعَ وتسهيل أموره وتقدير وقته؟ بعض الموظفين في القطاع العام، مع الأسف، يتفننون في تعطيل معاملة المراجعين، وكأنهم يستمتعون بتعطيل أمور الناس. إنها نوع من السادية البغيضة. على الموظف إدراك أن باب رزقه فتحه الله له بسبب هؤلاء المراجعين، وأن الدولة وظفته، ومنحته راتباً شهرياً، لخدمتهم. وإذا علم وفكر في أن الذي سهّل له هذه الوظيفة ورزقه يراه ويستطيع قطع رزقه، بل عنقه، إن شاء، لربما أصلح نفسه وهذبها. كل مراجع يود أن يصرخ بأعلى صوته في وجه أي موظف متعالٍ أو معطل لمعاملته «عفواً.. أنت في خدمتي». إذا فهم الموظف الجملة السابقة كما فهمها المراجع، فقد وصلنا للهدف الذي أمر به ولي الأمر وسخر كل السبل لأجل خدمة المواطن المراجع، وارتاح الموظف والمواطن. بعض الوزارات الخدمية شاركت بصورة غير مباشرة في ذلك، فمثلاً هناك دوائر خدمية تضع بين الموظف والمراجع حاجزاً زجاجياً فيه فتحة صغيرة كي يخضع المراجع ويطأطئ رأسه ليتحدث مع الموظف ويتوسل إليه «الله يرحم والديك خلصني وراي شغل». لماذا هذه الحواجز والعوازل التي تفصل بين الموظف والمراجع؟ هل هي خوف على الموظف من تهجّم المراجع (الوحش المسعور)؟ أم إن المواطن يحمل فايروس مرض معدٍ؟! يا سادة يا كرام، المراجع (حمل وديع!) يريد أن ينجز معاملته ويعود لأهله عزيزاً كريماً فقط، إنه بين أبنائه وبناته عزيز كريم وقور. «عفواً موظف الدولة.. أنت في خدمتي» عبارة تستحق التمعّن والتفكير، ولا يقوم بتفعيلها وتطبيق ما فيها من معنى إلا إنسان وطني ذو ضمير حي يخاف الله ويرجوه، يعرف ما له من حق وما عليه من واجب، المراجع لا يريد أكثر من إنجاز معاملته وتقدير وقته واحترامه. أحد الأحبة الأفاضل يقول إنه ذهب لإنجاز معاملة له في جهة حكومية، وعلم أن الموظف المسؤول عن خدمته فيها من شباب مدينته حديثي التوظيف، ففرح وغمرته السعادة «شاب متفهِّم ومن أهل المدينة أكيد الأمور ممتازة»، وعندما وصل مكتبه وجد نفسه أمام حراس، إضافة إلى روتين إجراءات الدخول «وكأنك يا أبوزيد ما غزيت»، وجد عدم مبالاة لوقته أو الحفاظ على كرامته. نحن في عصر الإنجاز الإلكتروني، في عصر ينبغي أن تسخر فيها التقنية لخدمة المواطن، الذي ينطلق لسان حاله قائلاً: كفى استهتاراً بالحقوق، وأقلّها احترامه واحترام وقته. من يتفنن في إيذاء الإنسان ويبحث عما يسوءه، مع الأسف، هو خالٍ من الإنسانية، ولديه عقدة نقص في نفسه وتربيته، ومن موظفي الدولة من يحتاج إلى دورات تأهيلية في مجال معاملة الناس واحترام الآخرين وإنجاز أعمالهم التي من أجلها تم توظيفه، وربما أقحم الوساطات ليصل لهذه الوظيفة، وفرح بها، وتلقى التهاني بوصوله إليها من أهله وأصحابه. إلى المواطن المراجع.. «إن مع العسر يسراً».