لا يمكنُ إنكارُ أنَّ شبكاتَ التواصلِ الاجتماعيِّ لها دورٌ كبيرٌ في توجيه الرأيِ العام، بل هي أصدقُ ترمومتر لقياسِ نبضِ الشعوب، خصوصاً في الدولِ التي تعاني في مجالاتِ حريةِ الرأيِ والتعبير، ومن سيطرةِ الإعلامِ الحكوميِّ الذي يقدمُ معلوماتٍ غيرِ حقيقيةٍ أو ناقصةٍ عن احتياجاتِ الناسِ ومطالبهم وآمالهم، ويتكلمُ بلسانِ الحكوماتِ لا الشعوب، لكنَّ ذلك لا يعني أنَّ كلَ ما تقدمُه هذه الشبكاتُ من معلوماتٍ ومعارف وخبرات هي بالضرورةِ أشياء حقيقية وصادقة، لأنَّ هذه الوفرةَ الغزيرةَ من المعلوماتِ لن يكونَ لها معنى في حالِ عدمِ التوثيق، فنحن بحاجةٍ إلى معلوماتٍ قليلةٍ مؤكدة أكثر من حاجتِنا إلى معلوماتٍ كثيرةٍ غيرِ مؤكدة، وحين تجدُ نفسَك عائماً في بحرٍ من المعلوماتِ فإنَّك سوف تغرق ما لم تكن قادراً على السباحةِ بشكلٍ جيد، أو يتوجبُ عليك الدخولُ بمقدارِ ما تعرف، فشبكاتُ التواصلِ الاجتماعيِّ أحياناً تُدَارُ بطريقةٍ موجهةٍ، وهي حتماً من أنسبِ الأمكنةِ التي يُفترَضُ أن تزرعَ فيها الدولُ استخباراتها وجواسيسَها وطابورَها الخامس، بهدفِ صناعةِ رأيٍّ عامٍّ موجَهٍ ضد سياساتِ بعضِ الدول، فهذه الشبكاتُ يمكن تصنيفُها على أنها قوةٌ ناعمة، بل هي من أقوى مصادرِ القوةِ الناعمةِ، ويمكنُ للدولِ أن تحققَ من خلالِها أحياناً أكثرَ مما تحققُه عن طريقِ القوةِ العسكرية، فصاحبُ كتابِ القوةِ الناعمةِ وهو مساعدٌ سابقٌ لوزيرِ الدفاعِ الأمريكي يشيرُ إلى أنَّ: (جدار برلين كان قد تم اختراقُه بالتليفزيون والأفلامِ السينمائية قبل زمنٍ طويلٍ من سقوطِه عام 1989؛ ذلك أنَّ المطارقَ والجرافاتِ ما كانت لتُنتَجَ لولا انتقال الصورِ المبثوثةِ من ثقافةِ الغربِ الشعبيةِ على مدى سنواتٍ طوال فاخترقت الجدارَ قبل أن يسقط). لا يجبُ أن يفهمَ من هذا الكلامِ أنَّ الشعوبَ وحدها تتحملُ وزرَ ما تحملُه هذه الشبكاتُ من آثامٍ وخطايا، أو أنَّ الحلَ يكمنُ في إغلاقِها، لأنَّ ذلك صعبٌ، بل مستحيلٌ؛ بل سخيفٌ، فحتى السيطرة باتت أمراً صعباً، كما أنَّ هذه الشبكاتِ في حالةِ تحديثٍ مستمر، فما كان مؤثراً بالأمس لم تعُد له اليوم قيمة، ف(تويتر) مثلاً تمدد بشكلٍ كبيرٍ على حسابِ (فيسبوك)، ولا ندري ما يخفيه لنا قادمُ الأيامِ فقد يكونُ حديثُنا عن تويتر كحديثِنا عن التليفزيون بالأبيضِ والأسود!، المهم أنَّ فكرةَ السيطرةِ غيرُ مجديةٍ، كما أنَّ اللومَ لا يقعُ على عاتقِ الشعوبِ بقدر ما تتحملُه الحكومات، فمن غيرِ المعقولِ أن تكتمَ أنفاسَ الآخرين في الداخلِ ثم تطالبهم بأن يغلقوا النوافذَ بحجةِ برودةِ الجوِّ في الخارج، كما أنَّ الذين يريدون توجيهَ الناسِ إلى قضايا معينةٍ لا يأتون من خلالِ الدعاياتِ المباشرةِ والتطبيلِ الواضح، إنما يَلِجون من أخطاءِ الحكوماتِ الكبيرةِ، ويحاولون التحريضَ عليها بشكلٍ غيرِ مباشرٍ وبطريقةٍ منظمةٍ، يساعدهم في ذلك ردودُ أفعالٍ ساذجةٍ لبعضِ المسؤولين؛ فيكون ضررُهم أكثَر من نفعِهم، و يكون المستجيرُ بهم كالمستجيرِ من الرمضاءِ بالنار. صحيحٌ أن تويتر لا يصلحُ لأن يكونَ مصدراً للمعلوماتِ، لكنَّه مناسبٌ في أن يكونَ مؤشراً لقياسِ درجةِ الرضا، ومعرفةِ احتياجاتِ الناسِ وأولوياتِهم دون الاعتمادِ على البطانةِ من أيِّ نوع، فالدراسةُ الأخيرةُ التي كشفت أنَّ السعوديين هم الأكثرُ استخداماً ل«تويتر» في العالم العربي وأنَّهم يتصدرون قائمةَ المائةِ شخصيةٍ عربيةٍ الأكثر تأثيراً في هذه الشبكة، يجبُ أن نتوقفَ عندها وألاَّ نتعاملَ معها على أساسِ الاغتباط، فإنَّ انغماسَنا إلى هذا الحدِّ في تويتر يدلُ على أننا شعبٌ لا يجدُ ما يفعلُه في أوقاتِ فراغه، وهو إما أنه يعاني في مجالِ البطالة، أو ليس منتجاً، فالذين يقضون كلَ هذه الساعاتِ في تويتر وهم في مقرِ عملهم ستقلُّ إنتاجيتُهم بالتأكيد، ولو افترضنا أنهم يدخلون في غيرِ أوقاتِ العمل؛ فإنَّ ذلك سيكونُ على حسابِ أسرِهم وأولادِهم وعلاقاتِهم الاجتماعية، إضافة إلى أنَّ الثقافةَ التي يكتسبها الإنسانُ من هذه الشبكاتِ في أغلبها هشةٌ وغيرُ حقيقية، فهي بلا مصادرَ وغيرَ موثقةٍ في أكثرِ الأحيان، وإنه لا شيءَ أشبه بتدافعِنا في تويتر هذه الأيام أكثرُ من تدافعِنا على سوقِ الأسهمِ قبل انهيارِ 2006م، حين كان الشعبُ كلُه خبيراً في الأسهم، لا يترددُ في توزيعِ التوصياتِ على من عرفَ ومن لم يعرف، وعندما كانت اهتماماتُ الناسِ في شوارعِهم ومجالسِهم وأماكنِ عملهِم كلُها في البحثِ عن مضاربين!.