هناك سؤال عن معنى ما أقدم عليه الشاب، الذي حمل في شارع التحلية بالرياض لوحة مكتوباً عليها بالإنجليزية «حضن مجاني Free hug»، وهو فعل جرى رصد تكراره على سبيل التقليد لدى شباب آخرين، ثم لدى طالبات في جامعة الأميرة نورة، والإمام محمد بن سعود، وجامعة الطائف، وغيرها. فالمعنى الذي يوصف به ذلك الفعل له علاقة بالموقف، الذي يمكن أن يقفه المرء منه، قبولاً له أو رفضاً أو تحيراً بين القبول والرفض. وقد يبدو موقف رابع إلى هذه يرى في التساؤل عنه أو البحث عن معناه، انشغالاً بما لا يستحق الانشغال، طالما لم ينتج عنه تعدٍّ على أحد، أو تسبب في خلل ما بأي معنى. وبالفعل كان هذا الموقف الأخير أو موقف الحيرة والتردد تجاهه هو موقف الهيئة أول الأمر، إذ قال مصدر هيئة المنطقة الشرقية: «ليس من الواضح، حتى الآن، الهدف من هذه الممارسة»، وأشار إلى أنه شاهد مقطع فيديو للشخص الذي قام بابتكار هذه الحركة، فرأى أنهم «مجرد شباب يتعانقون»، وأن عدم التعميم بمنعها يعود إلى «غياب ما هو منافٍ للأخلاق». لكن هذا الموقف لم يستمر، فقد قبضت الهيئة على الشاب الذي أعلن تلك الفعلة، وعلى شابين أصغر سناً. وعلى رغم ذلك فقد حمل تبرير الهيئة للقبض عليهم ما يحيل على خارج الهيئة، إذ أعلنت هيئة الرياض، أن القبض عليهم «جاء بعد تلقي الهيئة بلاغات عدة وشكاوى من عائلات وأفراد استنكروا فعلتهم». العبارة والفعل المجسِّد لها يمكن أن يفهم بمعنى التصافي الإنساني ونشر المودة والتعاطف، وهذا معنى إيجابي في العموم. وهو فعل رمزي وشكلاني لا يلزم عنه تبعة أو أكلاف، إنه فعل كاذب ولكنه أجمل من كذب العين الحمراء أو الوجه المكشِّر، وللكذب من هذا النوع أسراره التي تحرض على علاقات سلمية وشعور أكثر غنى بالإنساني. لكن مَنْ الذي يؤكد مفهوميته هذه؟ ألا يمكن أن نقول عنه بالقدر نفسه من المعقولية إنه عمل فارغ، لا يدل إلا على فارغين ليس لديهم ما يشغلهم! أو لعل الأقرب إلى وصفهم أن نقول إنهم ساذجون، وسطحيون، فالحياة علاقات لا تحسمها إلا اليد القوية! و«الظلم من شيم النفوس» فيما شهد المتنبي؟! وليس بين التفسيرين تعارض إذا ما فهمنا أولهما بالمعنى المثالي أي الطموح إلى ما ينبغي، وفهمنا الثاني من منظور واقعي يصف ما هو كائن. إن كل مجتمع سوي يسعى إلى نشر المودة والسلام بين أفراده، وبينه وبين العالم، وفي قيمنا الإسلامية دلالة على ذلك في أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإلقاء السلام «على مَنْ عرفت ومَنْ لم تعرف»، وأن «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، وقد ظهرت عبارات مستمدة من ذلك في لوحات مكتوبة لدى شباب آخرين بقصد مضاد للحضن المجاني، لكنها لم تنتشر كما حدث للأخير. لذلك فإن فكرة الحضن المجاني هذه تثير أسئلة في الإقبال عليها وانتشارها، وهي تقليعة غربية مشاهدة في القنوات التليفزيونية، وأسلوب التعبير الجسدي ولغة اللوحة الإنجليزية نسبتها الواضحة. إنني أحسب أن سلوك الطالب «المشاغب» هو طريقنا إلى فهم مثل هذا السلوك وعلاجه، فالطلاب المشاغبون هم رد فعل على أستاذ شديد التجهم وصارم الملاحظة، وينبغي أن يشعر شبابنا بالمحبة والاحترام، على أن تتم ترجمة هذا الشعور في التسامح معهم وتوليد ما يستنفد شحناء قلوبهم ورتابتهم من التنافس واللعب والعمل وما يعزز الشعور بالثقة فيهم.