خلال الأيام القليلة المنصرمة التي هطلت فيها الأمطار وأغرقت الأحياء والشوارع والأنفاق، و أصبح وضعنا مأساوياً من ناحية ونكتة ترفيهية لدى كثير من الناس من ناحية أخرى، أتساءل وغيري لماذا وصلنا إلى هذا الوضع المتدهور؟ وكيف يمكن إصلاحه؟ كلما التفتَّ يميناً أو شمالاً، وفي مختلف المجالات ترى المواطن يقدم قوائم من الشكاوى حول سوء الخدمات وضعفها، ابتداء من التعليم مروراً بالصحة والمواصلات وانتهاء بالبنية التحتية للمدن والقرى. أصبح الناس يقارنون أوضاعهم بغيرهم، ويطرحون أسئلة جادة ومتعددة، أين تذهب كل هذه المليارات المرصودة في الميزانيات، ولماذا لم ينتج عنها بنى تحتية سليمة لمختلف المدن، ولماذا تصبح مناطقنا عرضة للكوارث المستمرة دون أخذ أية احتياطات مسبقة؟ في وطننا تجارب ناجحة في معالجة مثل هذه القضايا، ففي المنطقة الشرقية مثلا لا تجد مشكلات في تصريف مياه الأمطار في جميع أحياء شركة أرامكو والهيئة الملكية بالجبيل، بل وحتى في مشاريع الإسكان التي شيدتها الشركات الكورية في منتصف السبعينيات من القرن الميلادي الماضي. وعوداً على السؤال السابق من أين يبدأ الإصلاح؟ حاولت أن أستنطق من حولي من الزملاء والأصدقاء وأفراد العائلة بحثاً عن إجابة وافية لهذا السؤال الملح. وفي الحقيقة لم أجد إلا وجوماً من أكثرهم، وكأنهم يقولون إنه لا أمل في الإصلاح لكون المشكلات القائمة معقدة ومتراكمة ومتداخلة. بعضهم يتحدث عن الفساد وتمظهراته المختلفة على كل المستويات، وبعضهم يرى المشكلة في غياب المراقبة والمحاسبة وانعدام الإخلاص، وآخرون يرون أن هناك ضعفاً في التخطيط للمشاريع والبرامج، كما يرى بعض الناس أن المحسوبيات و«الواسطة» هي السبب في غياب الكفاءات عن المواقع المهمة. عموماً يتفق الجميع على أن المشكلات التي نحن بصددها أصبحت فعلاً كبيرة وعميقة، وبحاجة إلى معالجات جذرية وهيكلية سياسياً واقتصادياً وإدارياً، بحيث إن التوجيهات العامة والأحاديث الأخلاقية لم تعد مجدية في إيجاد الحلول المناسبة والناجعة. من الأمور التي يمكن أن تساهم في إيجاد معالجات جادة لهذه القضايا وغيرها تشكيل هيئة وطنية عليا للإصلاح تكون مشتركة بين مسؤولين حكوميين وممثلين عن القطاع الخاص وشخصيات أهلية ذات خبرة ومعرفة، وتكون لهذه الهيئة من الصلاحيات والإمكانيات ما تستطيع من خلاله مراقبة ومتابعة سير وتنفيذ مختلف الخطط والأعمال. وتستفيد هذه الهيئة من خبرات الشركات الوطنية الناجحة في مجالات تطوير البنى التحتية، وتنفتح على تجارب الدول الأخرى في تنفيذ برامج الإصلاح. كما ينبغي أن تكشف هذه الهيئة أعمالها وبرامجها للمواطنين بكل شفافية ووضوح ، وأن تتواصل معهم بصورة مستمرة من أجل أن يكونوا شركاء في صناعة القرارات وتحديد الأولويات ومتابعة التنفيذ.