يا رب يا رب.. امرأة تناجي الله وتناديه فجأة يعلو صوتها وتصرخ بحنجرة مبحوحة تتحرك يمنة ويسرة دون أن تعرف أين وجهتها لتدخل في حالة هستيرية وكأن نارا أوقدت داخل جوفها. وفي منظر هال الحضور تُمزق تلك المرأة ملابسها لتنكشف سوءتها وتتضح عورتها لولا تدارك أحد الخيرين بتغطية ما بأن منها (بشماغه) ومن هناك ينقض عليها رجل كوحش مفترس قيل إنه ولي أمرها ليشبعها ضرباً قبل أن يلتقطها وكأنها خلق بال وهي ذات الجسم الهزيل ليودعها سيارته بمعاونة امرأة أخرى ورجل ثان تاركين خلفهم حذاءها وكيس دوائها لتنطلق تلك السيارة بمن فيها على صراخ هذه المرأة التي لم تسلم من الضرب حتى وهي داخل المركبة ليختفي الجميع عن الأنظار نحو بيت مغلق وحال مستورة. وعند السؤال قيل إن هذه المرأة مريضة نفسياً جاءت للاستطباب وذاك الرجل وليها مدمن مخدرات وإدمانه سبب مرضها وإلا ماذا يفسر تعامله مع امرأة في حالها وأحوالها. وما هي إلا دقائق وإذ بامرأة أخرى طاعنة في السن تسحب خلفها رداء الحزن والكآبة وهي تسير بأثر ابنها الذي يمشي تارة ويسقط تارة أخرى لسوء حالته الصحية هذه المرأة تجهش ببكاء مرير أبكى من شاهدها وهي مع كبر سنها تحاول أن تسند ابنها عن السقوط بل تضع جسدها بينه وبين الأرض عند وقوعه لتتجلى أمومة تلك المرأة في أدق صورها وأسمى معانيها عندما تحتضن ابنها وكأنه جنين في مهاده لتواسيه بحرارة دمعها وتدعو له برفع الضر وتحتسب على من أوقعه في براثن المخدرات، لينهي معاناة خطواتها المتعبة أحد الموظفين عندما أحضر عربة لنقل ابنها وإدخاله في قسم الطوارئ وعربة أخرى لنقلها هي حيث سيارة جارها الذي أتى بها وبأبنها لتعود لمنزلها مكسورة الخاطر تحت رحمة علاج لابنها قد تطول فترته أو بانتظار خبر يصعقها للحضور لاستلام جثمانه. مواقف شاهدتها بأم عيني اثناء تأدية واجب إنساني في أحد المشافي المتخصصة لعلاج إدمان المخدرات والداء النفسي والتي تقوم بجهود تذكر بها وتشكر عليها ولم أتمن في حياتي أن أملك شيئاً مثل ما تمنيته تلك الساعة لمساعدة نسوة هن في وجه الجميع بل هن من محارم وطن يُجلهن ويكرمهن إلا أن الأمر عند قراءته بصورته الحقيقية أكبر من ذلك كله لكون ما تم رؤيته ما هو إلا نموذج لنماذج كثر تحتجب وراء حجاب الستر والعفة هم نتاج وضحية لحرب لا أخلاقية ولا هوادة فيها تقودها دول معادية على وطن الحرمين الشريفين هذه الحرب لا تحتاج إلى فتح جبهات قتالية أو استخدام أسلحة عسكرية أو لهجوم بري أو جوي أو بحري وإنما تحتاج لشراء ضمائر عُرضة في سوق الإجرام للاتجار في المخدرات إما لمجرم سعودي خائن لوطنه أو لعربي تنصل من قيمه العربية الأصيلة أو لمسلم باع دينه أو لإنسان انسلخ عن إنسانيته ليصنع الجميع محصلة نقودهم من جماجم الأمة ويشكلوا ويتشكلوا على هيئة منظمات سرية داخل البلاد أو خارجها تخطط وتنظم وتنفذ مستغلة كل ما أمكن استغلاله لتحقيق أهدافها الدنيئة وقد يكون تبادل الأدوار مع الإرهاب أحد صور ذلك الاستغلال أو ظاهرة البطالة أو تواجد ووجود اليد العاملة بكثرة أو التركيز على رب الأسرة وعمودها (الأب) أو روح الأسرة وحيويتها (الشاب) وهما اللذان سيؤثران نفسياً على مصدر إلهام الأسرة ومربيتها (الأم) وعلى شرف الأسرة وعرضها (الفتاة).. وهكذا سيتم في النهاية حصر الهدف على الأسرة لكونها أساس لحمتنا الاجتماعية التي تعتمدد عليها وحدتنا الوطنية وعند وصولهم لهذه المرحلة لا سمح الله فإنهم سيتمكنوا من تعطيل العقل الوطني حتى لا يؤدي رسالته الإنسانية والإسلامية والعربية والوطنية والاجتماعية على الوجه الأكمل ليشار له ببنان الحاقدين والمتآمرين أنه عاجز عن تأدية ما أنيط به من مهام ولأن مازال في الوقت فسحة قبل تخدير المجتمع كله على المواطن أن يواكب الاجراءات الرسمية التوعوية والوقائية والعلاجية التي تتصدى لهذه الآفة الخطيرة والمدمرة بل عليه تثقيف نفسه ذاتياً ومعرفة ما يدور حوله وما يحاك ضد وطنه وأن لا يكون أحد الداعمين لتجارة المخدرات دون علم منه عندما يغرر به في مشاريع خيرية أو أنشطة تجارية مشبوهة جاءت من خلال غسيل الأموال الذي انطلق من صفقة مخدرات وأن لا تخدعه بهرجة إعلامية مزيفة أو وجاهة اجتماعية مصطنعة ومصنعة داخل دهاليز سوق الاتجار في المخدرات العالمي أو المحلي. في الختام: تاجر المخدرات هو من تسبب في كشف عورة هذه المرأة المستورة وهو من أبكى هذه الأم المكلومة بل هو من شتت الأسر وجلب للمجتمع وباء خطر عقوبته عند الله باقية أما في الدنيا فكشف شخصيته وشخصيته كلها عار طريقة يتعظ منها مجرم آخر جاهز للانطلاق لسوق الإجرام بل تشفي غليل كل من وقع ضحية له. ولكي نعرف آخر ضحاياهم كم هم الطلبة الذين انضموا إلى قافلة مدمني المخدرات والذين سربت لهم حبوب مخلوطة بمواد كيماوية سامة صنعها الأعداء تقضي على خلايا المخ خلال أيام معدودة. والله من وراء القصد..