قبل ثلاثة عقود ونيف تصادف وجودي برفقة احد المعارف لدى دخوله احد مكاتب شركات الطيران الأوروبية في مدينة عربية لتأكيد إجراءات سفره , وأثناء حديثه مع الموظف لفت انتباهي اختياره وجبة تقدم على متن الطائرة تسمى الكوشر, كانت تلك المرة الأولى التي تطرق بها تلك الكلمة الغريبة مسامعي وعند خروجنا بادرت صاحبي بالسؤال عنها لتأتي الإجابة مفاجئة لي بأنها وجبة مألوفة في مطابخ الطيران وهي في الأساس مجهزة للمتدينين من اليهود فهي خالية من منتجات الخنزير وغيرها مما يحرم في شريعتهم فسألته ألا يوجد في المقابل وجبة خاصة بالمسلم تقدم على نفس الطائرة فكان الرد انه لا يدري بالنسبة لهذه الشركة تحديدا ولكنها موجودة على قائمة طعام بعض شركات الطيران الأجنبية وأنه تجنب طلبها فقط لانها تعد وجبة متواضعة مقارنة بالكوشر من واقع خبرته بسبب كثرة أسفاره, وأردف قائلا بلهجة يمتزج فيها الأسى بالتهكم ربما فكرة هؤلاء القوم عنا معشر المسلمين أننا امة زاهدة في كل شيء فيقدمون لنا وجبة المسلم بهذه المواصفات التي بالكاد تسد جوع المسافر, صراحة فان اجتهاده هذا في تفسير الأمر وان بدا لي غير مقنع إلا انه خفف من وطأة شعوري بالأسى إذ انه أهون على النفس من الظن أنهم يفعلون ذلك من باب التمييز لصالح متديني اليهود حتى في هذه الجزئية مع أنهم يدفعون أسعار التذاكر ذاتها كسائر الركاب. لست اعلم إن كانت الأمور في وقتنا الراهن لا زالت على ما هي عليه منذ ذاك الزمن أم أنها تغيرت نحو الأفضل فصارت وجبة المسلم تنافس نظيرتها الكوشر فانا لست ممن تكثر إسفارهم بالطائرات ولكن ألا يعد ذلك مؤشرا على مقدار الحظوة التي كان وما زال يتمتع بها اليهود عند أصدقائهم في الغرب حتى يوفرون لهم خدمات خاصة ومميزة في طعامهم حتى أثناء تحليقهم لسويعات في الفضاء. لا يحتاج من أراد الإلمام بأحوال الجاليات اليهودية في العالم الكثير من الجهد لكي يدرك ما وصلوا إليه من مكانة مميزة خصوصا في بلدان الغرب حيث أنهم تقلدوا مناصب قيادية في حكومات تلك البلدان مما جعل لهم صوتا قويا في السياسة الخارجية و القرارات الإستراتيجية لها وبعض هذه القرارات الدولية ذات الصلة بنا مباشرة كمسلمين وعرب جاءت كما يعلم الجميع لتلبي مصالحهم ضاربة القانون الدولي بعرض الجدار, أما المسلمين فعلى الرغم من كثرة جالياتهم وتفوق أعدادهم على أعداد اليهود في كثير من البلدان الغربية وارتفاع مستوى تعليمهم وإسهام الكثير منهم في تقديم خدمات علمية جليلة للبلدان التي يقيمون فيها , فهم لم يتمكنوا بعد من الوصول إلى أي منصب هام على الصعيد السياسي مما جعل من تأثيرهم شبه معدوم في هذا المجال ولا يلتفت إليهم كثيرا مثل الجاليات الأخرى من قبل الباحثين عن أصوات مؤيدة في انتخابات هذه البلدان بعكس الجاليات اليهودية التي عملت ومنذ زمن على السيطرة والتحكم في وسائل الاعلام الرئيسة وأنشأت منظمات سياسية قوية خاصة بها أصبحت بمثابة مزارات لمعظم مرشحي المناصب العالية يلقون فيها خطب التأييد والولاء لكسب الأصوات اليهودية الهامة ومن شذ عن هذا التقليد فوضعه في خطر. ما أود ألتاكيد عليه أننا كمسلمين لا نسعى ولا نطالب بانتقاص حقوق الجاليات اليهودية وغيرها من جاليات الأمم الأخرى بل جل ما نطمح إليه هو ان نحصل على مساواة في التعامل والحقوق فيتوقف الهجوم المتواصل على المظاهر والشعائر التي تمارسها الجاليات الإسلامية المقيمة في الغرب التي ازدادت حدته هذه الأيام فان تم ذلك فلا بأس من أن تكون وجباتهم على الطائرات أفضل حالا مما يقدم لنا. عاهد علي الخطيب جامعة الملك سعود