زرت إثيوبيا وألقيت محاضرة بأديس أبابا حضرها جموع من كافة المذاهب والحركات الإسلامية من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة والإخوان والتبليغ والصوفية وغيرهم، فقلت للجميع: أنا لا أدعوكم إلى مذهب من هذه المذاهب أو جماعة من هذه الجماعات فأنا لست حنفياً ولا مالكياً ولا شافعياً ولا حنبلياً ولا إخوانياً ولا تبليغياً ولا أنتسب لأي مذهب فقهي ولا جماعة إسلامية معينة بل أدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على ما كان عليه أهل بيته وأصحابه رضوان الله عليهم، ولست معصوماً بل قد يصدر مني أخطاء فإذا خالف قولي الكتاب والسنة فاضربوا بقولي عرض الحائط، فمظلتنا الكبرى جميعاً الإسلام، ورسالتنا التوحيد، وما فرقتنا إلا هذه المذاهب والحركات والشعارات والأحزاب. فالله سمانا المسلمين ودعانا إلى الاعتصام بحبله وأوجب علينا أخوة الإيمان ونهانا عن التفرق والاختلاف لكننا أطعنا الشيطان في التحريش بيننا، فبدأ التعصب الفكري في عصر انحطاط الدولة الإسلامية وظهر التقليد المذهبي في وقت فطور الهمم وانطفاء نور الوحي وهجر الدليل كتاباً وسنة. ونشأت جماعات إسلامية وحركات دعوية وأحزاب وطنية ومناهج فكرية وطوائف متناحرة متصارعة أضعفت وحدة المسلمين وشتتت شملهم ومزقت كلمتهم وأوهنتهم أمام أعدائهم وأضرت بسمعتهم وخالفت بين قلوبهم فحارب بعضهم بعضاً وقاتلت طائفة منهم طائفة أخرى واستحكم بينهم العداء وانتشرت البغضاء وعمّت الشحناء لأنهم تركوا المنهج الأول والهدي النبوي الكريم في التمسك بالكتاب والسنة فابتلاهم الله بالاختلاف والشقاق والفرقة. وبهذه المناسبة فإني أدعو جميع المسلمين وكل من يتشرف بحمل «لا إله إلا الله محمد رسول الله» أن يعود إلى رشده وينبذ التقليد المذهبي والتعصب الطائفي، والميول الحزبية، والاغترار بالشعارات والاستماع لكل ناعق، بل عليه أن يعود إلى الوحي المنزل وإلى سيرة النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم ويحكّم الشريعة على ظاهره وباطنه وينطوي تحت مظلة السنة النبوية ويهتدي بهدي خير القرون من الرعيل الأول الذين زكاهم الله وأثنى عليهم ورضي عنهم. وليتّقِ المسلم ربه فلا يزيد في تمزيق الأمة بالدعوى إلى مذهب أو طائفة أو جماعة أو حركة أو حزب، بل عليه أن يرضى بما رضيه الله له لكل مسلم من اتباع رسوله الإمام القدوة والأسوة الحسنة كما قال تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكم في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة لمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً». وقد زرت أكثر من ثلاثين دولة فوجدت أن المسلمين نقلوا خلافهم المذهبي والطائفي والفكري إلى بلاد الغرب والشرق. فالمساجد والمراكز الإسلامية موزعة بين المذاهب والجماعات والطوائف والحركات الإسلامية وبلغ من سخف بعضهم وحمقه وطيشه وتهوره أنه استخدم المنبر والمحراب في التشنيع والتحذير من إخوانه المسلمين من الطوائف والمذاهب والجماعات الأخرى التي لا توافق رأيه، فصرنا ضحكه بين الأمم ونكتة بين الشعوب تلوكنا الألسن ويسخر منا الآخرون، وبدل أن ننشر رسالتنا الربانية العالمية الخالدة أصبحنا ننشر غسيلنا ومآسينا ومصائبنا وبغضاءنا بين الأمم فانشغلنا عن نشر الإسلام بمحاربة أهل الإسلام وتركنا الوحدة الإسلامية إلى الدعوة الحزبية الطائفية المذهبية المقيتة الضيقة. وقد زرت في خلال رحلاتي من دعاني من كل المذاهب والطوائف والجماعات الإسلامية، فكنت أدعوهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى الوحدة الإسلامية والرابطة الإيمانية ونبذ الخلاف والفرقة والشقاق وأخبرهم بمآسي النزاع الذي حصل بيننا والتفرقة التي حلت بنا وكيف توحد غيرنا على اختلاف أعراقه ومذاهبه وتوجهاته واختلفنا نحن رغم وجود الدين الصحيح معنا والشريعة السمحاء والملة المحمدية المباركة، فصرنا كالمحامي الفاشل الذي يدافع عن قضية عادلة. حرام هذه الفرقة، حرام هذا الاختلاف، حرام هذا التنازع، حرام هذا التصرف الصبياني الطائش العبثي، يقول تعالى: «وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ»، متى ننتصر على الشيطان والهوى والنفس الأمّارة بالسوء؟ متى نعود عودة صادقة للمنبع الأول الصافي العذب الزلال؟ منبع: قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. تعالوا أيها المسلمون إلى الوحي المقدس ودعونا من آراء الرجال وأفكار البشر وتوجهات الناس، ونعم للإسلام ولا للمذهبية ولا للطائفية ولا للحزبية ولا للتعصب ولا للتقليد، «اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ»، كفى قتالاً، كفى نزاعاً، كفى حقداً، كفى بغضاء، آن الأوان للاتفاق والعناق ونبذ الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.