نردد أحاديث المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم دون غرس ثقافي في بعض الأحيان. فنردد أنه "في كل كبد رطبة أجر"، ونعرف منها ان امرأة دخلت النار في هرة حبستها حتى ماتت فلا هي أطعمتها ولا جعلتها تأكل من خشاش الأرض، وان رجلا دخل الجنة في كلب سقاه بخفه بعد ان بلغ به العطش. هذه القيم ترسخت في موروثنا الشعبي حتى بات التوازن سمة من سماته. فهو توازن بين الانسان والطبيعة التي يعيش فيها، حتى في الحرب المدمرة نجد ان اخلاق التوازن موجودة في الوصايا الموروثة عن هدي النبي لجيوش المسلمين بألا يقتلوا صبياً ولا امرأة ولا شيخاً كبيرًا ولا مريضًا ولا راهبًا، وألا يقطعوا مثمرًا ولا يخربوا عامرًا ولا يذبحوا بعيرًا ولا بقرة إلا لمأكل، وألا يغرقوا نحلاً ولا يحرقوه. جميع تلك القيم التي ترسخت ورسخت التوازن هي التي اوجدت الكثير من الحكم والأمثال في موروثنا الشعبي. ولعل من ابرز تلك الامثال ذلك المثل التوازني الجميل الذي يقول فيه الأجداد "لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم". فماذا يعني مثل هذا المثل لجيل لم يعرف معنى التوازن في البيئة التي خلقها من رفع السماء ووضع الميزان؟ يعني للجيل الذي عرف التوازن ان للذئب حصة من الأغنام بعد أن اصطاد الانسان ما يأكله الذئب في الصحراء وبالتالي عليه ان يضع له حصة حتى لا يعيث الذئب في جميع الأغنام فيختل التوازن البيئي. فالمتأمل في الامثال العربية لا يجد فقط هذا التوازن وانما يجد الحديث عن او مع الحيوان الى ان اصبح هناك من يعرف لغة التخاطب معها. جميع هذه الجوانب أثارتها تلك الصور المؤلمة التي بات بعض الشباب يتباهى بها عند تعذيب حيوان مثل الشباب الذين عذبوا الثعلب في سراة عبيدة وهم لا يعلمون ذلك الشق الديني الأخطر من العقاب الدنيوي. فقد مر عبدالله بن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال لهم : من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا" والغرض هو الهدف الذي يرمى عليه للتسلية والتنافس. ومن هذا العبث ينمو عبث اكبر، كما تقول العرب "إن النار من مستصغر الشرر". ولم ولن يكون عبث الصبية بالثعلب بالتعذيب والحرق بالأمر اليسير الذي يجب الا يمر مرور الكرام وحتى لا تموت الرحمة من قلوبنا جميعا، فنجد عبثهم قد طال صبية من المستضعفين فيهم. ولكن الذي يثلج الصدر ان امارة منطقة عسير لم تتهاون في الامر بل انتصرت لضمائرنا قبل ان تنتصر لذلك الثعلب المعذب والمحروق، فقد حكمت المحكمة العامة بسجنهم 70 يوما وجلدهم 118 جلدة ليكونوا عبرة لمن يعبث بقيمنا والرحمة في قلوبنا والتوازن الذي اورثنا الله إياه لنحترمه ونحافظ على حياتنا. ولم يقتصر العبث على أولئك الصبية وانما شدني مقطع يتم فيه وقف ومعاقبة عبث آخر ولشخص عديم الفهم حمل مناشيره الكهربائية لقطع شجرة في بيئتنا الصحراوية الفقيرة بأي شيء أخضر، حتى باتت الشجرة عنوانا من العلامات التي يستهدي بها المسافر والمغامر في الصحراء. اجمل ما في تلك العقوبات ليس الصرامة فقط وانما هو استنهاض للقيم التي بدأت تقتلها تلك المناظر المؤلمة من مناطق الصراع والخراب في بعض الدول العربية، وخاصة تلك المناظر المؤلمة من سورية والعراق. ففي بعض تلك المناظر تكتشف بعض مراحل موت الرحمة بين البشر بل وحتى بين من يدعي الإسلام. انها مناظر تميت الرحمة ونحن نتبع نبي الرحمة الذي علمنا أن "من لا يرحم لا يُرحم ". أدعو الله ان يبقي فينا ويجعل عشق الصحراء ومكوناتها مستمرا حتى لا نزيدها تخريبا وتدميرا. وشكرا للأمير فيصل بن خالد امير منطقة عسير الذي تابع قضية تعذيب الشباب للثعلب في وقت قياسي ومتابعة احالتهم للشرع وتطبيق العقوبة الصادرة بحقهم، في قضية لا تمثل اخلاق المسلم المأمور بالرفق بالحيوان وليس الجور عليه. فثقافتنا علمتنا أن " التبجح بالمعاصي أقبح من ركوبها"، وهو ما علينا التفكير فيه عند التعامل مع مقاطع التبجح التي باتت مجالا للتندر وليس التدبر.