مدخل للشاعر سالم سيار: الشِّعر له فعل.. وتواريخ .. وانساب يصيب هقوات السنافي ولا يخيب وهذا الشِّعر ادري له حضور وغياب وبقلوبكم مثلي حضر لو هو يغيب منذُ أن عَرَف العرب الشِّعر وله أبلغ الأثر في النفوس، ومنزلة رفعية، وشأن عظيم، وكانت القبائل العربية تتباهى بشاعرها، وكل قبيلة تفتخر أن أول من نظم الشِّعر هو منهم، وتفرح عندما يولد لها شاعر، ويحظى بقدر كبير من الاجلال والتقدير لأنه يرفع ذكر القبيلة، ويفاخر بمناقبها. وكان الشاعر منذ قديم العصور يحرص كل الحرص على الحضور المشرّف الذي يزيد من علو شأنه وذلك بتقديم العطاء الجيّد من أشعاره، والإبداع المتميز من جزالة القصيد الذي يؤثر في النفوس، ويدخل القلوب، ويحرّك الأحاسيس والشعور، ويبقى الشاعر شاعرا في كل العصور والأحوال والظروف كما يقول في هذا الاتجاه الشاعر علي محمد القحطاني: مرّه نقول الشِّعر من قلب مرتاح ومرّه نقول الشِّعر من ضيقة البال طيراً يطير.. وطير مكسور الأجناح والوقت ما يبقى نظامه على حال ولا غرابة من بزوغ نجم الشاعر، وعلى ما يحظى به من شهرة كبيرة، وذلك بعد إثبات وجوده بين الشعراء.. حتى وإن قل تواجده، فإنه يبقى في الأذهان، وأشعاره يتناقلها الركبان، بسبب قوّة أشعاره، وحسن اختياره، وعذوبة مفرداته، وحكمة أشعاره كقول الشاعر الشيخ تركي بن حميد العتيبي: واخير منها ركعتينٍ بالاسحار لاطاب نوم اللي حياته خساره وفي هذا الزمان فإن حضور الشِّعر قد قلّ قليلاً عن ذي قبل، وأصبح غياب الشاعر وشِعره ملموساً في كثير من المحافل، والمناسبات، ويقتصر الحضور دون الطموح المنشود، ولا يرتقي لذائقة المتلقي بسبب القصائد التقليدية التي لا تصل للمستوى المأمول والمطلوب، فهي عبارة عن مجرد صف كلام مباشر، وتفتقر للمعنى العميق، وجزالة الأسلوب، والسبك والحبك الجيّد. وكم تمنيت أن يكوم للشِّعر حضور باستمرار، ووقع في النفوس، وأن يحرص الشاعر على حضوره اللائق والمثمر، فإن هذا الغياب الملحوظ على الشِّعر لاشك أنه مؤثر جداً مما يترتب عليه عدم الاستمتاع بالشّعر، وفقدان دوره الريادي في المجتمع. وإذا أحسن الشاعر حضوره، واستغله استغلال أمثل يصبح شِعره كالغيث الذي يركن إليه الظامئ فيروي الظمأ، وعندما يسمو بفكرة عاطفته تنجح أشعاره، وتبقى بحق تسلي المتألم، وتسعد العَاشق، وتطرب اليائس، فجمال حضور الشاعر المُبدع كجمال قطرات الندى التي تتساقط على أوراق الزهور.. وغيابه يُعد خسارة للجمهور الذي أصبح على قدر كبير من الوعي، ويميّز بين الغث والسمين.. والصفاء والكدر، والوضع الحالي صعب ويحتاج لوضع أفضل مما هو عليه.