كما كان متوقعاً، خرج المنتخب السعودي بخفي حنين من "خليجي 22" بعد أن انتظرنا تحقيق اللقب، ليكون خير دفعة معنوية قبل الاستحقاق الآسيوي الكبير في يناير المقبل، والمؤلم في الإخفاق الجديد، وما يجعله مختلفاً عن السابق، هو أن البطولة لُعبت في الرياض، وحين نتحدث عن بطولة خليجية تُقام في الرياض، فالأمر يعني أن الترشيحات التي سبقت البطولة لم تكن مبنية على الأمور الفنية وحدها، فالعُرف في دورات الخليج أن المستضيف يملك أقوى الحظوظ خصوصاً إن كان يملك فريقاً قوياً على صعيد العناصر، بل إن الترشيحات في نسخ عدة لم تستبعد المنتخبات المستضيفة حتى وهي لاتقدم نفسها بشكل مميز فنياً، مثلما حدث في "خليجي 21" في البحرين، حين ذهبت ترشيحات عدد من المراقبين للمنتخب البحريني.. ولايمكن أيضاً إغفال حصول قطر والإمارات وعُمان على اللقب لأول مرة على أراضيها، مايزيد من صحة مايذهب إليه المراقبون.. ولكن، لماذا خسرنا، وهل الإسباني لوبيز كارو هو وحده المسؤول؟ لوبيز.. الضحية والجلاد ارتكب الإسباني لوبيز كارو أخطاء على مستوى الاختيارات لكنها لم تكن كبيرة ترقى لمستوى الكوارث، وأخفق في إدارة فترة الإعداد من خلال عدم الثبات على تشكيلة واحدة لأكثر من مباراة، وجاء فشله في مباراة قطر ليكشف حقيقة واحدة وهي أن هذا المدرب لن يستطيع السير بمنتخبنا، حتى وإن لعبت الأرقام معه.. لست متخصصاً بالأمور الفنية، ولن أكون ضليعاً بالشأن الفني مثل محللين ولاعبين سابقين كبار، ولكن معرفة الأخطاء الفنية لن تصعب كثيراً على أي متابع.. خذوا مثلاً لقاء قطر، وكيف تعامل معه لوبيز، فالفريق كان بأمس الحاجة لمهاجم ثانٍ، لكن لوبيز لم يكن جريئاً ولم يدفع به، بل استبدل مهاجم بمهاجم، حتى وهو يخوض اللقاء وخلفه 60 ألف متفرج، حتى ووقت اللقاء يقترب من النهاية، مايعني أنه لايملك مايخسره حينها، عدا عن عدم اختياره للبديل المناسب لتيسير الجاسم، لم يستطع قراءة الفريق القطري، ولم يتمكن من معالجة أخطاء الكرات الهوائية التي أخرجتنا متعادلين أمام قطر في نزال الافتتاح، والتي نعاني منها منذ نكسة 2002، ولم ينجح بتنظيم الدفاع، شاهدوا الهدف الثاني للإمارات في نصف النهائي وكيفية وصول مهاجم أحمد خليل للمرمى من أمام أربعة مدافعين لتدركوا أن عمل المدرب لم يكن حاضراً. الحقيقة هي أن لوبيز لن يستطيع السير بالمنتخب، وربما يكون محاضراً ومنظراً جيداً، لكنه لم يستطع إيجاد بصمة حقيقية في الفريق. صحيح أن لديه أرقاما جيدة، ولكن بالعودة لمشواره مع الفريق، نجد أنه تجاوز العراق والصين وإندونيسيا في التصفيات المؤهلة لكأس آسيا وتصدر، ولكن الحقيقة هي أن المنتخب الصيني لم يكن قوياً، والمنتخب العراقي ليس هو المنتخب العراقي الذي حصد كأس أمم آسيا 2007، بل هو نفسه المنتخب العراقي الذي خرج من الدور الأول في "خليجي 22"، ربما يُعتقد أن هذا تقليل وترصد للمدرب، لكن هذا هو الواقع. في مباراة أستراليا التي لعبناها في لندن، عانى "الأخضر" من فوضى دفاعية غير طبيعية، هي نفسها التي شاهدناها في الدرة أمام قطر والإمارات، مايعني أن الأخطاء هي نفسها.. هل الفوز على فلسطين مثلاً أمر كاف ليقنع الشارع؟ وهل الخسارة من ترينداد وتوباغو بثلاثية ومن ملدوفا برباعية نظيفة ومن جورجيا بثنائية بيضاء والتعادل مع لبنان أمر يوحي بوجود مدرب جيد طالما أننا نقول ونردد كل يوم أننا نملك العناصر والمواهب؟؟ نعم تعادلنا مع الأوروغواي وقدمنا مباراة كبيرة، ولكن ماحدث أمام الأوروغواي هو نفسه ماحدث أمام الأرجنتين في 2012، حين تعادلنا مع رفاق ليونيل ميسي لنذهب بعدها إلى المنامة ونخرج بطريقة مهينة؟ لماذا لوبيز.. وما الجديد؟؟ جيئ بلوبيز كمدرب مؤقت، وهو الذي كان مستشاراً فنياً، ومُنح عقداً جديداً بمزايا لاتقدم إلا لكبار المدربين، بعد أن خُدعنا بنتائج تصفيات كأس آسيا، وهاهو اتحاد الكرة يستعد لتحمل عبء مالي كبير يتمثل بالشرط الجزائي، ليحق لنا التساؤل، لماذا لوبيز؟ من الذي وضعه مدرباً وهو الذي كان يعرف أنه مجرد مدرب طوارئ لمرحلة معينة.. الذنب هنا ليس ذنب لوبيز، بل هو خطأ من أقر التعاقد معه كمدرب بشكل رسمي، ومن رضخ لشروطه، ومن صوت على بقائه حتى وهو لايقنعنا بمنهجية واضحة. لماذا تهدر الأموال ومقدرات الوطن بعقود كهذه؟ لماذا يُضاف هذا الالتزام المالي للالتزامات الأخرى المتراكمة؟ من سمح للوبيز أن يُملي شروطه؟ كل هذا يكشف أن اتحاد الكرة ارتكب خطأ جسيماً، وهو بالمناسبة غير مستغرب باعتبار أعضاء الاتحاد جاؤوا من أندية لاتجيد اختيار المدربين، وتُملى عليها الشروط وتُكبد بخسائر باهظة جراء دفع الشروط الجزائية، فثمة خلل كبير لا ينتبه له الكثيرون سواء في الأندية أو المنتخبات، وهو أن التعاقد مع مدربين يأتي من خلال قراءة السيرة الذاتية للمدرب فقط، أو تقييم اسمه.. خذوا مدرب الهلال الفرنسي السابق كومبواريه، والإيطالي زينغا في النصر، وأيضاً مدرب الشباب السابق البرتغالي موريس ومواطنه فيتور بيريرا في الأهلي، كل واحد منهم يحمل سيرة رائعة، ويمكن القول إنهم مدربين كبار، لكن أي منهم لم ينجح، لأن مثل هؤلاء مدربين إما يملكون مشاريع تطوير وبناء حقيقية تتطلب وقتاً، أو أنهم يعملون بطرق لاتناسبنا، والمسؤولون هنا لايصبرون على مشاريعهم، ولا يريدون المخاطرة بفرقهم وربما بكراسيهم. الإسباني لوبيز ليس إلا جزء من المشكلة، ولن يكون رحيله هو الحل، بل مجرد جزء من الحل، وربما بداية مشكلة جديد.. الأمر يتعلق بقوة الاتحاد وقدرته على السيطرة على الأمور، وقدرته على اختيار المدرب الجيد، وطريقة التعامل معه ومناقشته ومحاسبته بطريقة احترافية من خلال تكليف شخصيات إدارية وفنية للإشراف على المنتخب. ماذا بعد لوبيز؟ لست متشائماً، ولكني أدرك أن اتحاد الكرة سينهي عقد لوبيز، وسيأتي بمدرب ربما يكون مؤقتاً من أجل إعداد "الأخضر" للبطولة الآسيوية، وربما أيضاً ينتدب مدرب سبق وأن عمل في السعودية.. ربما نبقى في نفس الدوامة، ولانستطيع الخروج من الحلقة المفرغة، سننتظر الفشل تلو الآخر وسنطيح بالمدربين، وستزداد ديون اتحاد الكرة بسبب هذه العشوائية في الاختيار.. لايشيء يدفع للتفاؤل، فاتحاد الكرة عاجز عن إدارة شؤونه والانقسامات تضرب جذوره، ورئيسه يحارب على جبهات عدة، والجمعية العمومية لاتعمل ولاتُساءل ولاتناقش، والرئيس غير منسجم مع طاقمه، ويعاني كثيراً من اللجان وتخبطاتها، ويواجه انتقادات لاذعة بسبب مشاكل جلها تسبب بها هو وطاقمه، وبالتالي لا أحد يعرف كيف ستسير ولا أحد يستطيع أن يراهن على هذا الاتحاد الذي بات مطالباً بحسم الأمور، فإما البقاء وتصحيح المسار أو الرحيل. شكراً.. لوبيز "قل لي الفريق الذي تشجعه.. أقول لك رأيك بالمنتخب"، هكذا غرد المعلق الشهير عيسى الحربين ليختصر لنا وصف المشهد ببضعة أحرف، فثمة من يدافع عن المدرب باستماتة وهو يعلم أن الأخطاء موجودة ولكنه يدافع نكاية بجماهير الفرق المنافسة، وآخرون يهاجمون المدرب فقط لأنه لايضم لاعبيهم المفضلين وليس لأنه يرتكب أخطاء في إدارة المباريات مثلاً.. لقد كشف لوبيز هذه الخلل والذي يمكن وصفه بالورم الخبيث الذي ربما يستشري بجسد الكرة السعودية مالم يتم اجتثاثه من جذوره ومعالجته، وهذا العلاج لن يأتي إلا بالتصدي لمن يغذي هذا النوع من الطرح السخيف.. لقد تشبعنا من الصراعات والشحن والإخفاقات والإحباطات، في حين أن المتعصبين لايلقون بالاً لمصلحة عامة أو لمنتخب وطن، فقط يبحثون عن الظهور وجمع أكبر عدد من "الفولورز" على "تويتر" والظهور بمظهر البطل أمام المدرج، نقول شكراً لوبيز فقد كشف إخفاق "الأخضر" معك هؤلاء، وسيكشف أي إخفاق جديد المزيد من هؤلاء، وستظل العديد من وسائل الإعلام تحتضنهم بحثاً عن الإثارة الرخيصة، وحينها لاعزاء لمنتخب الوطن ولجماهير الوطن.