على مر تاريخ الدبلوماسية السعودية، لم يكن النفوذ هو الهدف من المبادرات، بل كانت المبادرات السعودية كلها تهدف إلى رسم مسار مستقرّ في المنطقة وذلك لمصلحة أمن المنطقة الذي لا يمكن أن يزدهر مستقبل الإنسان من دونه. امتصت السعودية الأزمات منذ اتفاق الطائف في 30 سبتمبر 1989 والذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية الدموية، حربٌ يأمل اللبنانيون أن تبقى في إطار "تنذكر ما تنعاد"، كان اتفاقاً حاسماً حضره 62 نائباً لبنانياً من أصل 73 و 8 من الذين لم يحضروا الاجتماع لم يرتبط تغيبهم بأسباب سياسية، بينما ارتبط اسم 3 نواب بالمقاطعة لأسباب سياسية. ولا ننسى اتفاق مكة في 8 فبراير 2007. هذا غير العشرات من المبادرات التي دخلت السعودية على خط دعمها وإتمامها. من قضية لوكربي إلى اتفاق الدوحة. في مضمون بيان الملك الحكيم عبدالله بن عبدالعزيز والذي جاء مدوّياً بما حمله من مضامين تعكس الدبلوماسية السعودية وحكمتها في إدراكها العميق أنّه بوحدة الخليج جميعاً تتحقق فقط الممانعة بوجه التحديات. ولأنّ السياسة تقاس بالمصالح؛ وقد أثبتت الأحداث أن الديبلوماسية الخليجية ليست بتابعة وإنما قوة اقتصادية ومادية كاملة، لديها الإرث السياسي والاقتصادي الذي يؤهلها أن تكون ثقلاً سياسياً وهذا ما يُفسر محاولة بعض القوى على التغذّي على محاولات خلق العداوات أو جرّ فتن بعض دول الجوار للخليج المستقر الآمن أو إشعال فتيل الطائفية أو الثنائيات. ومنطقة الخليج بكل ما تختزنه من ثروات، تؤثّر وتتأثر، فهي منطقة لها أبعاد جديدة وحديثة وفي سياق التأثير الدولي، ونظراً لما تضمّه المنطقة من مخزون ثمين من المعادن الغالية من النفط إلى الغاز مروراً بخيرات تنعم بها المنطقة، وتعتاش عليها الشعوب. ومنطقة الخليج من الناحية التاريخية كانت ولا تزال متعددة الطوائف ومختلفة المذاهب، وإذا أرادت الدول أن تهيمن على منطقةٍ ما بدأت بفتح جروح الثنائيات. ومنطقة الخليج ليست بمأمن من تآمر المتآمرين، ما لم نفتح أعيننا ونرفض كل محاولة تهييج أو فتنة. وحينما دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المصريين والعرب والمسلمين بالتصدي لكل من يحاول زعزعة أمن مصر، معتبراً أن من يتدخل في شؤون مصر الداخلية من الخارج "يوقدون الفتنة" فالملك الحكيم عبدالله أهاب بالعرب للوقوف معاً ضد محاولات زعزعة أمن مصر، و"وكل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء". واعتبر الملك عبدالله "استقرار مصر يتعرض لكيد الحاقدين والكارهين في محاولة فاشلة لضرب وحدته واستقراره، مصر ستستعيد عافيتها والسعودية شعباً وحكومة تقف مع مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية وعزمها وقوتها - بعون الله- وحقها الشرعي لردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس من أشقائنا في مصر". مواقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز في غاية القوة والمباشرة ذلك أنها وقفت إلى صف المصريين ولم تبحث عن مصالحها من خلال الأزمة المصرية وعبرها كما هو حال بعض القوى الإقليمية وعلى رأسها إيران. فالسعودية لا تتعامل بمنطق المصلحة مع الأشقاء العرب بل دأبت على أن تكون العلاقة أخوية مع البلدان "الشقيقة" والتي نكن لها ولأهلها الود والاحترام. هكذا كانت السعودية والخطابات الأخيرة لسعود الفيصل وزير الخارجية واضحة وكاشفة إذ تبدي قوة السعودية كفاعل على الساحة الدولية وكرقمٍ صعب لا يمكن تجاوزه في أي أزمة وتحت أي ظرف، هذا فخر كبير للسعوديين جميعاً. والسيسي قالها ان موقف الملك عبدالله هو الأقوى منذ حرب 1973. أمن الخليج من أمن السعودية قالها الأمير نايف بن عبدالعزيز- رحمه الله تعالى - وليس أمام الخليج والاتفاق الخليجي سوى شقّ طريقه نحو الاتحاد من منطلق علمتنا إياه دروس الأحداث؛ لا يمكن أن يتهدّد استقرار وأمن جميع دول الخليج طالما الحصون منيعة ومتحدة مع بعضها جميعاً.