من أغرب المفارقات الساخرة الاتهامات التي وجّهها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والتي ردّت السعودية فيها بالرفض على مزاعم المالكي أن السعودية تدعم "الجماعات الإرهابية"؛ السعودية التي تقود دول العالم في مكافحة الإرهاب وهي من أصدرت القوانين وسبقت دول العالم في تجريم الإرهاب والجماعات الإرهابية "كداعش" وغيرها من بقية الجماعات. لا يختلف منصفان أن جميع المبادرات السعودية التي كانت تتبناها تهدف إلى رسم مسار مستقرّ في المنطقة فمستقبل المنطقة والإنسان الذي يعيش فيها مرهونان بحماية هذا الاستقرار. امتصت السعودية في لبنان الأزمات منذ اتفاق الطائف في 30 سبتمبر 1989 والذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية الدموية، وهي حربٌ يأمل اللبنانيون أن تبقى في إطار "تنذكر ما تنعاد"، كان اتفاقاً حاسماً حضره 62 نائباً لبنانياً من أصل 73 و 8 من الذين لم يحضروا الاجتماع لم يرتبط تغيبهم بأسباب سياسية، بينما ارتبط اسم 3 نواب بالمقاطعة لأسباب سياسية. ولا ننسى اتفاق مكة في 8 فبراير 2007. هذا غير العشرات من المبادرات التي دخلت السعودية على خط دعمها وإتمامها. من قضية لوكربي إلى اتفاق الدوحة. كذلك يُسجّل التاريخ نداء الملك عبدالله بن عبدالعزيز السياسي الذي أعلن في 31 أكتوبر وجاء بعد أن يئس العراقيون من فك أزمتهم بعد مرور ثمانية أشهر من الانتخابات العراقية التي جرت في آذار/ مارس 2010 .. مبادرة جاءت لتنقذ العراق من وضع أمني مضطرب. السعودية وعبر هذه المبادرة تعتبر الاستقرار هو أساس أي تحرك سياسي يقوم به، العراق الذي لم يستقرّ منذ ثلاثين عاماً ، وليس كثيراً على الدبلوماسية السعودية أن تقذف الكرة في ملعب العراقيين لتحريضهم إلى إنهاء تلك الأزمة وإقفال باب ذلك الصراع، بعد أن لاحت في الأفق مؤشرات سلبية تشير إلى أن الأمر في العراق وصل إلى مرحلة تستدعي مثل هذه المبادرة السياسية. الجميل في الأمر أن أغلبية القوى السياسية العراقية لبّت نداء الملك حينها، باستثناء بعض القوى التي كانت لديها مواقفها. من المهم سياسياً أن يتحاور وينهي العراقيون فيما بينهم أزماتهم، وقد أشار الملك في ندائه إلى التاريخ العريق للعراق، وإلى الدور الريادي الذي أسسه العراق في ثقافة العرب والمسلمين. اشتهر الفرد العراقي والعشائر العراقية بالقوة وبالصبر والتجلد، وشخصية الفرد العراقي لا يمكن أن تنصاع بالقوة لرأي من الآراء، بل يمكن أن تقاد بالحوار، لهذا جاء الطغاة في تاريخ العراق لكسر تلك القوة داخل فرد العراق، ولإزهاق ما تبقى فيه من صبر. علي الوردي في كتابه ذائع الصيت: "شخصية الفرد العراقي" يقول: "حماسة العراقيين كنار الحلفاء لا تكاد تلتهب حتى تخمد؛ تلتهب مع المثال وتخمد مع الواقع". كان الواقع صدام حينها كان الخمود، لكن مثال الديمقراطية حرّك اللهب، وما نراه في العراق من ثورة العشائر إنما يعبّر عن غليان المجتمع العراقي كرد فعل طبيعي بمواجهته لما مورس ضده من تمييز وطائفية وقهر لمن يدرك فعلاً الشخصية العراقية الحقيقية بتركيبته المتنوعة والصلبة. إنه من المؤسف أنّ بلداً عربياً عظيماً كالعراق قد أثرى البشرية بآثاره يتم اختطافه باسم الديمقراطية المزعومة ويعود العراق من نافذة العنف العرقي والطائفي، وأن يغدو سوقاً لبورصة الجماعات الإرهابية بعد أن خرج صدام حسين من بوابة الاحتلال.