تناول الكاتب الصحفي جمال بنون، في مقاله المنشور بصحيفة «الحياة»، زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى مصر، وصعود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لطائرته، واهتمام الطرفين بعقد اللقاء حتى وإن كان خارج إطار البروتوكولات الرسمية التي تتطلب أمورا كثيرة تغلب عليها الطرفان، في لقاء لم يتعد دقائق، إلا أنه كشف عن مدى عمق العلاقات بين البلدين، خاصة في مواجهتهما الصراعات العربية والطائفية المتغطية باسم الدين أو التي ضربت المنطقة في الآونة الأخيرة. لمطالعة المقال : لقاء القاهرةوالرياض.. لا يحتاج إلى بروتوكول ما بين الإعلان وزيارة الملك عبدالله إلى القاهرة، كان فقط 24 ساعة أو أكثر بقليل، وكان بالإمكان أن يكتفي القائدان بالتباحث هاتفياً والاكتفاء بخطاب التهنئة الذي أرسله الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي تضمن العديد من عبارات التأييد والدعم للرئيس المصري المنتخب عبدالفتاح السيسي. وكان بالإمكان أن ينهي الملك رحلته الخاصة إلى المغرب، ويعود أدراجه إلى بلده وتحديداً إلى جدة. فما الذي جعل الملك يقرر فجأة مقابلة الرئيس المصري وزيارته. من يتابع جدول الأعمال لرؤساء الدولتين فأجندتهما مزدحمة بالأنشطة السياسية والاقتصادية، ولو أنه تم التنسيق للزيارة منذ وقت باكر، كما هي الحال في الزيارات الرسمية لتطلب الأمر أخذ الرد والترتيب لها أشهراً عدة، ولاسيما إذا كانت الزيارة على مستوى رؤساء دول، فضلاً عن الترتيب البروتوكولي. الأحداث في الوطن العربي متسارعة، ولاسيما على الساحة العراقية والسورية، ونتيجة انشغال مصر في انتخابات الرئاسة، تطورت الكثير من الأمور، وأخذت منحى آخر، وكان واضحاً غياب مصر عن الساحة العربية بصفتها مركز ثقل سياسي، له الأثر الكبير مع محاولة دول أخرى أخذ الدور نفسه. هذا الغياب المصري عن قضايا الساحة العربية كان له ما يبرره؛ لأن استقرار الشارع المصري كان من أولويات المرحلة المقبلة، وعلى رغم ما واجهته الساحة المصرية من صراعات وفرض ودعم نظام ديني متشدد من بوابة الديموقراطية والحرية، وهذا الصراع تسبب في خلق أزمة عربية وإسلامية ما بين مؤيد ومعارض، إلا أن موقف السعودية ودول الخليج دائماً كان يأتي متوافقاً مع الشارع المصري ورغباته، لهذا كان لا بد من تقديم الدعم للفائز بالانتخابات المصرية، وليس فقط هذا، بل الوقوف معه لاجتياز الأزمة التي تمر بها مصر، وهي الأزمة الاقتصادية ودعم الاستقرار والأمن بما يسمح عودة مصر إلى الساحة العربية والدولية، كما كانت سابقا، وموقعها الصحيح. الملك عبدالله بن عبدالعزيز أراد بزيارته الخاطفة إلى القاهرة، التي التقى فيها الرئيس المصري، تحركاً من موقف نبيل، ورغبة أكيدة في أن تستعيد مصر مكانتها على الساحة العربية كدولة لها ثقلها السياسي على مر العصور، وتلعب دوراً مؤثراً وفاعلاً في الكثير من القضايا، وخلال الأعوام الماضية وجدت السعودية نفسها وحيدة على الساحة تتحرك في اتجاهات عدة، من أجل رأب الصدع وتوحيد الكلمة ولمّ الفرقاء، مع عدد قليل من الأصدقاء والأشقاء، كما أن المد الديني المتطرف الذي بدأ يتمدد بشكل مخيف في بعض الدول المجاورة، وهذا يشكل ضغطاً كبيراً على الرياض، ولاسيما أن الداعمين لهذا المد المتطرف دول مجاورة، يهمها أن تبقى النار مشتعلة في المنطقة لتخدم مصالحها السياسية والدينية. تحركات الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ليست سوى أوراق سياسية تحرك وفق أجندة بعض الدول، من أجل فرض سيطرتها ونفوذها، وكذلك محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار وزرع فتنة طائفية في المنطقة. بشكل عام منطقة الشرق الأوسط ملتهبة وغير مستقرة، سواء على الساحة اليمنية أم الليبية، كما هي الحال في العراق وسورية. زيارة الملك عبدالله إلى القاهرة، بالطبع أقلقت منام بعض الدول التي كانت ترغب في أن تمارس دور شرطي المنطقة، إنما لم يتحقق حلمها، إيران زعيمة التطرف والطائفية في المنطقة حاولت بكل قوتها وجبروتها أن تصبح شرطي المنطقة. الآن يمكن أن تتحالف مصر والسعودية والإمارات ودول أخرى لتشكل قوى اقتصادية وسياسية؛ لمواجهة التطرف السياسي المغلّف بالدين، لم يكن الأمر يتطلب أن يحتاج الأمر إلى ترتيب بروتوكول رسمي، لعقد قمة مصرية-سعودية. الصراعات العربية والطائفية استنزفت الكثير من الشباب الذين غُرر بهم للقتال مع جماعات متطرفة، كما استنزفت موازنات ضخمة، وحولت اقتصادات المنطقة إلى اقتصاد غير منتج وفاعل، وفقد الكثيرون الأمان الوظيفي والأمن والاستقرار، وارتفعت معدلات البطالة في المنطقة، كما سجلت مستوى قياسياً في معدلات الجريمة. لقاء الملك عبدالله بالرئيس المصري الجديد، جاء من دون أي ترتيب مسبق، بتلقائية وعفوية مثل عفوية الملك عبدالله في كل الأحداث وتفاعله وتعليقاته، لهذا جاءت الزيارة خاطفة وغير متوقعة نفذت بعفوية، لم يكن في خلد أحد أن يكون اللقاء بهذه السرعة. وهذه المدة القصيرة التي استغرقت زهاء الساعة وداخل الطائرة الملكية، إنما حمل معاني عدة، دلل على عمق العلاقة بين الشعبين والقيادتين السعودية ومصر، وأعطت رسائل واضحة إلى مدى التنسيق المشترك بين القيادتين للمرحلة المقبلة. صعود الرئيس المصري إلى الطائرة الملكية ومقابلته الملك عبدالله وتقديره لظروف صحته، وفضل أن يعقد هذا الاجتماع على متن الطائرة السعودية، كان يمكن للرئيس المصري أن يعتذر عن اللقاء ويوجل مقابلة الملك إلى حين زيارته للسعودية، إنما -كما قلت- الرغبة المشتركة من القائدين العربيين للقاء سريعاً، حتى وإن كان مختصراً، إنما يكفي توافق الأفكار، فضلاً عن الرغبة في معالجة المشكلات البارزة، وإن في وقت الأزمات والعمل، لا مكان للبروتوكول والرسميات، ولا وقت لتحديد قاعات الاجتماع وفلاشات المصورين والإعلام، طالما النوايا صادقة والرغبة موجودة، فالنتائج أهم من أي لقاء تم الترتيب له مسبقاً. رابط الخبر بصحيفة الوئام: جمال بنون: لا مكان للبروتوكولات بين السعودية ومصر