زمن الشاه كانت إيران صديقاً للغرب يصل إلى حد التحالف ضد السوفييت وقد نصَّبوه شرطياً على الخليج العربي، لكنه تمرد على تلك العلاقة بأن ظهرت صورة ملك الملوك المتوج بتواريخ آبائه وأجداده غير مدرك أن التاريخ قالب ثلج يذوب بدرجات حرارة منخفضة، ولذلك سقط بفعل شريط (الكاسيت) وخرج ذليلاً يبحث عن علاج لمرض السرطان، ثم من يؤويه.. الملالي لديهم فتوى إن لم تكن سرية فهي متداولة، بأن إيران النووية قضية عزة قومية تعيدها إلى نادي القوى العظمى، وهذا الوهم لم يعط للسوفييت رغم كل إمكانات القوة العظمى البقاء، ولا أدى أن تكون كوريا الشمالية أو باكستان منافستين لكوريا الجنوبية أو الهند من حيث الاستقرار والتعايش الداخلي والصعود بالتنمية إلى مسارها الطبيعي، وإيران مهيأة أن تكون دولة وليست ثورة دائمة تدخل في عقيدتها تصدير هذه الثورة لبناء امبراطورية الوهم على أراضي دول ليس بينها روابط إلا الطائفية، وهي بتكوينها وأساسها ليست وطناً أو هوية حتى يتحول المواطن إلى تابع تحت هذه المظلة، وقد خرجت من المعادلات الثورية والسياسية وبسط النفوذ قوى تملك إمكانات أكبر من إيران فكان لعامل الزمن دور التغيير وتحويل قوى عظمى حققت امبراطوريات كبيرة، أن انتهى نفوذها داخل دولها الجغرافية فقط.. الملف الإيراني في مباحثات إيران مع أمريكا ودول أوروبا وروسيا والصين، قبل أن تكون نزاعاً بينها ودول الأطلسي يدخل في صلبها الموقفان الروسي والصيني وبالتالي فهي ضمناً مساومات وتنازلات لكن إيران تظل المحور، فهي تريد فصل العقوبات وإنهاءها قبل الاتفاق النهائي على الوصول إلى حلول تذهب من الشك إلى اليقين بمشروعها لإنتاج أسلحة نووية، والطرف الأساسي الإيراني ليس من يفاوضون ويتقنون اللعبة منذ أكثر من عقد، بل من يمسك بالخيوط الأساسية المرشد الأعلى، وبدوره يحمل أمانة فتوى الخميني وقد يذهب إلى آخر نقطة باعتبار المشروع يدخل في الأهداف القومية والوصول إلى حق خارج سياق تلك المماحكات والرغبة بالتعامل مع إيران كقوة إقليمية تعيد سيرة توزيع الأدوار والقوى بالمنطقة العربية وآسيا الوسطى.. الغريب أن دول مجلس التعاون تتلقى الأخبار الموجزة وليست التفصيلية عن مشروع يهدد أمنها من بعض حضور تلك المفاوضات رغم أنها في عمق القضية وتداعياتها، ومن الغباء تصديق أي مندوب يعطينا بعض الحقيقة بينما الأسرار تحتكرها تلك الدول أو بعضها، والمؤسف أن الدول الخليجية لم تُقبل حتى بصفة مراقب، وإنما تتلقى بعض التسريبات، ونحن المهددون من أي اتفاق يتجاوز حدود أمننا، ولعل خلافات هذه الدول وعدم اتخاذها برنامجاً يضعها على نفس المساواة مع إيران في أمن الخليج والإبقاء على تحالفات قابلة للنقض والتغيير سواء مع أمريكا أو الأوروبيين قابلة للمفاجآت والتغيرات، وبدورنا لا نملك مطالبة الروس والصينيين الوقوف بصفنا وهم يضعون هذه الدول حلفاء للغرب ويبقون علاقاتهما مع الدولتين في النطاق التجاري والاقتصادي.. المحاذير كثيرة، والخديعة واردة في انقلاب السياسات والمصالح، وإيران لا تصنّف عدواً للغرب أو تهدد أمن إسرائيل لأن الجميع يجلس وينام في غرفة واحدة، وعلينا أن نفهم أن مصالحنا وأمننا ومستقبلنا ستكون بغير يدنا إذا ما تمت الصفقات خارج إرادتنا ودورنا بمن منحناهم صداقتنا وسيبادلوننا بغيرها.. لمراسلة الكاتب: [email protected]