يقترن مفهوم الأمن بالدين وبحياة الإنسان واقتصاده وأفكاره ومعاملاته؛ ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الشعور العام بالأمان الإنساني الذي يصرف المرء من القلق والضيق إلى الطمأنينة التامة ليتفرغ المرء بعد ذلك لعبادة الخالق سبحانه وتعالى وعمارة الأرض؛ ولذا فإن المتأمل في المعاني العظيمة لأهمية مفهوم الأمن الإنساني في دعاء الخليل إبراهيم - عليه السلام - حينما قدم الدعاء بالأمن للبلد الحرام ثم أعقبه بالدعاء لأهله بالرزق والثمرات، في قوله تعالى: وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ۖ قال ومن كفر فأمتعه قليلًا ثم أضطره إلى عذاب النار ۖ وبئس المصير) سورة البقرة الأية 126. عندئذ سيدرك أن فوائد هذه الحكمة متعددة؛ فبالأمن يأمن الناس على عباداتهم بتأديتها -كما أمرهم المولى سبحانه - ودمائهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم. ولذا فإن كل منصف غيور على حرمات الله يعلم أن أمن هذه البلاد أمن لجميع المسلمين، وقد حرص ولاة الأمر في هذه الدولة المباركة على حمل رسالة الإسلام بوسطيته وبادروا بنصرة قضاياه وخدمة الدين الإسلامي في شتى أرجاء العالم منذ عهد المؤسس الملك الصالح عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود- غفر الله له وطيب الله ثراه - إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي لن ينسى العالم مبادراته الرائدة بتأسيس مركز الحوار العالمي للأديان لإيصال صورة الإسلام المشرقة وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي حاول أعداء الإسلام إلصاقها بالمسلمين، ومما لا شك فيه بأن هذه الأرض الشامخة بعقيدة التوحيد الخالصة وسماحة الدين الإسلامي، وبهمم رجالها المخلصين لدينهم ووطنهم وولاة أمرهم. إن حادثة الاعتداء الغادر من قبل فئة ضآلة عن نهج العقيدة الصحيحة ومنهج الإسلام الوسطي؛ بارتكابهم جريمة القتل غدراً بمواطنين أَزهقت دماءهم في قرية الدالوة بمحافظة الأحساء مساء يوم الاثنين الموافق العاشر من شهر الله المحرم؛ لهي في الميزان الجنائي جريمة نكراء هزت مأساتها المجتمع الواحد من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، واتضح بما لا يدع مجالا للشك بأن من يقف وراء هذا الجرم البين لا هدف له سوى إثارة الفتنة ومحاولة إحداث شرخ في نسيج الوطن الواحد، ولكن بفضل الله ثم بيقظة رجال أمننا البواسل الذين ضحوا بأرواحهم في مهام ضبطهم لأفراد العمل الإجرامي من الفئة الضآلة؛ في إنجاز أمني أشاد به الجميع. إن مسؤولية الأمن هي مسؤولية الجميع وبالتفاف المجتمع مع قيادته الحكيمة سيتم فضح مخططات أعداء الدين ثم الوطن، ولذا فإن النسيج الواحد والاعتصام المجتمعي بحبل الله في وطننا وطن العقيدة الصحيحة وطن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة قادر على مواجهة كل فكر ضال. إن الجميع يدرك أن الوطن يمد يده لكل من أراد الرجوع عن أفكاره المغلوطة ليعود إلى جادة الصواب ووسطية الإسلام ومنهج الشرع الذي بني على مقاصد عظيمه؛ قدمت فيها الضروريات على الحاجيات فالتحسينيات، ومع كل هذا وذلك نجد أن من تولى كبره ليفتن الناس بمحاولة إدخالهم في أمواج الفتنة المتلاطمة بدعوى نصرة الإسلام والإسلام من أفعاله العدوانية الغادرة براء. إن من يتمادى في أفكاره المنحرفة ويبتعد عن وسطية الإسلام ويتخبط في تكفير المجتمعات واستباحة دمائهم المعصومة يعد معتدياً مفسداً وهكذا هو الحال مع جريمة الفئة الضآلة في محافظة الأحساء؛ لأن هذا الاعتداء السافر لا يقصد منه سوى شق صف الجماعة والإساءة إلى الدين وتضليل العامة ولكن بفضل الله تم فضح ودحر عناصره ومن يقف وراءهم، نسأل الله أن يديم علينا أمننا، وأن يحفظ على هذه البلاد المباركة دينها وولاة أمرنا وعلى رأسهم والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز؛ الذي سخر الكثير من الإمكانيات البشرية والمادية والعلمية لمكافحة الإرهاب - فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء - وأيده بنصره وأعانه وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي عهده على كل مافيه رفعة وصلاح الأمة الإسلامية واستشراف المستقبل الذي ينهض بسماحة الإسلام وعدله ورحمته ضد تيارات التطرف والغلو والتخريب؛ كما أسأله تعالى أن يزيد أهل هذه البلاد تمسكاً بعقيدتهم الصحيحة وأن يحمي شبابنا من كل فكر ضال وأن يرد ضالهم للحق ومنهج الإسلام الوسطي الصحيح، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..