منذ منتصف يوم السبت الفائت إلى الثامنة والنصف وما بعدها بقليل من اليوم ذاته، زحفت الجماهير الرياضية الوطنية (ولا أقول الهلالية) صوب (درة الملاعب)، في مهمة نبيلة تتمثل في مؤازرة الفريق الهلالي ضد (سيدني) في نهائيات البطولة الآسيوية لكرة القدم.. في الوقت الذي لم يزحف فيه السواد الأعظم من الجماهير صوب المباراة لأسباب عديدة مختلفة. أنا هنا لن أستطيع الحديث عن سير المباراة ولا عن أحداثها؛ لسبب سهل قريب وهو أنني كنت ضمن السواد الأعظم، ولن أهتم كثيراً بنتيجة المباراة؛ لأنها محصلة تخضع لحيثيات وملابسات لا أتمكن من الخوض فيها تبدأ من فنيات الأداء وظروف الفريق وتنتهي بالمقدر والمكتوب، كذلك لن أولول حول التخبط والتجني والظلم الذي جلد به الحكم الفريق الهلالي؛ فتلك مسائل حقوقية تضعها اللجان القانونية على منضدة (الفيفا). الذي يهمني هنا ويعنيني وهو محور هذا التناول هو ما يهم السواد الأعظم الذي لم يتمكن من أن يزحف ويأخذ مكانه فوق المدرجات، وأعني - تحديداً- (عدم نقل المباراة عبر القنوات الرياضية)!! ولست معنياً في هذا الصدد بتلك الإشكاليات والتعقيدات وقهر الرجال حول حقوق البث وشراء تلك الحقوق. ولا بتلك المطالبات التي يغتالها الصمت والتجاهل والتأجيل، وإنما الذي يجثم على قلبي وعلى قلوب السواد الأعظم الذي ليس في إمكانه الحضور المباشر وليست لديه القدرة على دخول الملاعب هو هذا الحق الوطني المستلب، وهذا الفرح المقتول، وهذه الحسرة التي تستبد بلهفتنا إلى المتابعة والمشاركة. إنني أتذكر حتى الآن وأستحضر تلك الحسرة والألم والمقت والندم التي استبدت بالسواد الأعظم أثناء بطولة كأس الخليج في الموسم الفائت، حيث كنا نتلوى من المرارة والرثاء كلما أدركنا أنه في هذه اللحظات يمضي الوقت بالمباراة وليس لنا في مشاهدتها نصيب! (من المسؤول عن هذه الكارثة؟ هذا هو السؤال المُنْهِكُ الذي نطرحه في هذه التجربة والمعاناة؛ نطرحه ونحن نشعر بغير قليل من اليأس والخيبة؛ فقد مرت سنون متوالية ونحن لم نفرح بأي إجراء إيجابي يجعلنا نحتفل بحصولنا على حق النقل الذي هو من حقوقنا البَدَهِيَّة التي لاجدال ولا نقاش ولا مفاصلة حولها. الذي أرجوه ألاّ يستغرب أحد حدة الاهتمام بمثل هذا الحق الوطني، وبخاصة حينما يتصل بهذه اللحظات التي نعتمر فيها شعورنا الجمعي، ونتمتع بانفعال يصل بدمائنا إلى أدق خلايا الجسد وبنشوتنا إلى مباهج الروح. ذات مباراة، اشتد الانفعال والتوهج بأحد الأصدقاء! فحدثته في ذلك، فقال: (يا صديقي: لاتقتل الفرح المتوثب بمفاتن اللحظات، يكفي أني منفتل بأحداث حقيقية تجري أمامي فإما أن أغتبط بنتائجها وإما أن أبكي على ما جرى). في مباراة (الهلال) و(سيدني)، عندما لم تنقل المباراة أظلم نصف ليلة السواد الأعظم، وبعد العاشرة أظلم نصفها الآخر؛ فقد اجتمع عليه - أي على السواد الأعظم - عدم الاستمتاع بالمباراة ثم بالنتيجة التي عصفت بالتوقعات وخيبت الآمال. الذي ينبغي أن نتجاوزه الآن هو الندم والرثاء والأسى مما جري وحصل في هذه المباراة؛ فقد أمست جزءاً من تاريخنا الرياضي شئنا أو أبينا، ولكننا لن ننسى أبداً حقنا الوطني المهدر في نقل المباريات المهمة على الهواء مباشرة، وبخاصة أنه لا يفصل بيننا وبين بطولة كأس الخليج الثانية والعشرين سوى ستة أيام. (لمن أبكي.. لمن أشكي.. لمن أقول أنا محروم)؟.