إلى الصديقين الغاليين: عباس توفيق الإبراهيم، وناجي صالح الإبراهيم: قبل لم يشفع في سرابه العدم: لا عذر لي أبداً في مشهد الخطل ولا مناص من الإيغال في الخجل.. أمسيت أوصد أحوالي على أسف والمقت يوصدني فيها على زللي.. وحاصرتني شكاياتي.. وأوثقني ما كنت أوثقه في منتهى وجلي.. وخاصرتني نهاياتي بما عجزت عنه الأماني وأحلامي ومبتهلي.. وعدت صوب سياق كنت أمقته.. فصاغني موعدي في نكهة الفشل.. إن زرت كون الرؤى شاهت على ندمي.. أو رمت فلسفة أزرت بها مثلي.. وأترعت لحظاتي من مفاصلتي.. تلك التي شل فيها أي محتمل.. وأوصدت نفحات البث مثقلة.. تلك التي ساد فيها لون ممتثلي.. قد اعتقلت بأوصابي.. فما برحت شكواي تبني على الأوصاب معتقلي.. *** الآن.. لا يجدي في تفصيلاته الألم: أفوت أحزن المسا.. أو.. لا أفوت.. أدركت.. إذا فات الأوان خيرتي.. واساقطت معذرتي.. ما لم يكن.. كان.. ومات في مندوحتي. ما لا يموت.. ليلتها.. قد خامرتني شهوة الكلام.. وغادرتني حكمة السكوت.. أفوت أوصاب الأسى.. أو.. لا أفوت.. ليلتها.. أهدرت ما أهدته لي.. مواقف الفتوح.. أسلمت كل لهفة تاقت إلى سلامتي.. إلى مزالق الجنوح.. قبل مجيء الأصدقاء.. قرأت أحوال المساء.. حصنت ليلي من هواجس البلاء.. وانتابني التحديق في أوابد المبيت.. قبل مجيء الرفقاء.. أحبتي.. الذين يشعلون تلك اللهفة المثلى.. إلى.. الترحاب.. والسؤال.. والحديث.. والغناء.. كنت.. أجيل في انتظاري ولهي.. وغبطتي.. ونشوة الأطياف.. بين مشهد في البال.. أستعيده.. ومشهد.. يعتادني في لهفة اللقاء.. بجانبي.. ينثال شيخ الصمت.. في جلاله.. في وجهه.. يشتد رفض طاعن.. يهجو غواية اللسان. والجنان.. ورغبة موغلة.. في ديدن الصموت.. وأسبلت عيناه.. من نار الوجوم لغة.. تغني.. عن الأصوات.. والأصداء.. والبيان والتبيين.. والترميز.. والوضوح.. وفي يديه.. أورقت مسبحة.. أندى من العبرات في وجد القنوت وفوق صدره المجيد.. المجتبى.. يغفو جليل الفكر في منابت اليقين.. والتقدير والحياء.. يذوب في لألائه في تبره.. ما لجّ في لجين أصناف الكلام.. والشروح.. أوصى إليّ من لظى أكنافه..: (إياك مما بين فكيك فإن ألجمته فما عليك..) الوحي ذاب في حمى أطيافه.. وأقفر الموتور من أسبابه.. لحظتها.. أشار لي: (الأمر موكول إليك.. الآن.. أنت ماثل بكل ما تختاره.. ما بين أصغريك..) يا ليت شيخ الصمت لم يغب.. أو.. ليته إذ غاب.. ذاب.. في هوى ما اخترته.. وقلته.. أو.. جاد لي في حينه.. بيده.. إذاً.. لطابت تلكم الكف التي تداركتني.. مسبلاً.. في محتوى أوصافه.. دلفت.. صوب زلتي.. وكنت قبل سكرة من الزمان.. احتمي.. بيقظة.. تشتد في بصيرة المحذور والمكبوت.. سعيت.. صوب قسمتي.. وكنت قبل صحوة من المكان.. ارتدي.. مسوح ما يختال في البخوت.. قبل صليل الأصدقاء.. ودعني صمتي.. بدمع الأتقياء.. حبر السكوت.. ضمني.. أطال ما أوصى به.. وفاض ما أوحى به.. ذاك الذي.. أدركت.. بعد أن وعيت ما وعيت أنه.. رثاء.. وكان ما أوثقني.. بندمي.. وكان ما أوثقته بعدمي.. تساقط الزمان.. في أوضاره.. ورسف المكان.. في أوزاره.. ما لا يروق.. أسرفت ذنوبه.. في ما يروق.. وحل بي.. ما لم يعد يفيق من سجارة العروق.. البيت.. دار دورة الرمق.. والمجلس المفتون بالبهاء والألق.. تفاقمت أمداؤه.. وحشرجت أصداؤه.. كأنه.. ما امتار من نافورة الغلق.. ولم تفق من طيبه بوابة العبق.. تلك القناديل التي.. رافقتها.. عاشرتها.. نادمتها بما استفاقت حوله بيادر الغسق.. باءت إلى أمثولة بكت لها.. رثت لها.. أوائل الشفق.. الأصدقاء.. أظلموا.. تفاقموا.. أخنى بهم ملح العرق.. ويلي.. من موت الرواء والويل لي.. من خيبة حطت على وجوه أنقى الأصدقاء.. والآن.. من بعد الفوات.. والرثاء العفاء.. ماذا تبقى في قلوب الرفقاء؟ وما الذي خلفه ما قد جرى من سيرتي لدى أعز الخلصاء..؟ لا شيء مما أبتغي.. يلوح في مباهج الرجاء.. وكل ما أفعله.. أقوله.. أذيبه.. يذيبني.. بموئل يوزعني.. أني.. إلى موارد النجاة لا أفوت.. ولن أفوت ما جرى ولو رويت أو تلوت.. أو رثيت.. فلن يفوت سيرة الأسى.. حزن القيام والمقيل.. والمبيت.. حقاً.. لقد أهدرت ما أهدته لي مواقف الفتوح.. وقد محوت ما احتويت عقرت كل فقرة.. كنت أجيل لونها.. وطعمها.. وعطرها.. واستميت.. بين الشفاء.. والرجاء.. وثورة الجروح حقاً.. لقد كان الذي ما لم يكن.. في سيرتي.. ومات في مندوحتي ما لا يموت.. *** وبعد.. لا يغيب في حسراته الندم: يبكيني الآن سر كان يعنيني لم يغنني فيه ما قد كان يغنيني.. سألت عن أي معنى استميل به ما غاب منذ اغترابي عن عناويني.. فما أجاب احتمال استغيث به وما انبرى أي تفسير لمضموني كل التفاسير صامت عن مهادنتي وكل فأل بدا ما عاد يدنيني يا صاحبي: غرقت الآن في ندمي وحال تأنيبه من دون تأبيني.. نقلت نكراً فماتت فيه أوسمتي رويت سوءاً فأزرت بي موازيني.. يا صاحبي: رثاء الروح أسلمني.. لمسرف من صفيق المقت مفتون.. يا صاحبي: سألت الصمت عن حكم ملت تفاصيلها إنصات مكنوني فقال: أنت جنون لج في زمن قد أهردت فيه أنفاس القوانين يا صاحبي: سألت الحدس عن وهجي وعن جليل الرؤى في نور تخميني.. فقال: أنت رهين للهوى أبداً تجتاحك الرغبة الرعناء من حين.. حقا قد غاب عني سر منطلقي وضل عني جلال كان يؤويني.. يا صاحبي سلام لا يباركني.. يا صاحبيّ: وداع لا يعزيني.. أغلقت دون جميل الود نافذتي وبت أفتح سفراً بات يرثيني..