على بعد ثلاثة عشر قدماً وقف الظلال صامتاً ينتظر أوامر الرحيل بعد إغلاق جميع الفعاليات، يظن أن بمقدوره مغادرة المكان وحيداً، ويرمز إلى جدل غير منقطع يريد تحرير العالم من التبعية ويهمهم بفصل الضوء عن سماء الليل قبل فيض الظلام. وملأ فراغات الظلام بالنور باستثناء مخبأ لموسوليني الذي أكدت السلطات الإيطالية فتحه أمام الزوار فبات ممكناً للجمهور الآن التجول داخل أحد مخابئ الزعيم الإيطالي، إبان الحرب العالمية الثانية، بمنطقة فيلا تورلونيا في العاصمة روما، زعيم الفاشية الإيطالية أي موسوليني، فهذا الشخص المولود عام 1883 كان يجمع في شخصه بين عدة تيارات. فقد كان في البداية نقابياً ثورياً قريباً من الماركسية ثم أصبح لاحقاً قومياً شوفينياً متعصباً جداً للقومية الإيطالية، ووصول الفاشيين إلى السلطة في إيطاليا كان ناتجاً عن عدة عوامل إرهابية ساهمت في وصولهم إلى قمة السلطة. لقد تم بناء المخبأ بين عامي اثنين وأربعين وثلاثة وأربعين لحماية موسوليني وأسرته من قصف قوات الحلفاء وشهد المخبأ عملية ترميم استمرت سنوات، ويضم ممرات أسفل المتنزه بخمسة أمتار، والتي تشبه مجموعة من السلالم والأبواب المضادة للغاز.. فكيف تزول كل المتناقضات من هذا العالم وتاريخ الاستبداد يُمجد ويصبح مزاراً، آلا يجدر بالقرن الواحد والعشرين أن يهدم كل المخابئ ويعلنها صريحة لا للعنف ولا للاستبداد، ويكسر الزجاجة التي تحوي الآفة الكبرى وتوقف الاستعمار وتجعل السلام شرط حياة. يقول ريتشارد بوسورث: وهكذا خسر الشعب الإيطالي الكثير من قيمه الراقية وتحول إلى شعب مستعبد يصفق للديكتاتور إما حباً فيه أحيانا وإما خوفاً منه في أكثر الأحيان. ولم يتحرر هذا الشعب الذي صنع النهضة الأوروبية إلا بعد سقوط الديكتاتورية أو الفاشية التي لم تكن إلا فاصلاً قصيراً في تاريخه الطويل العريض. فالواقع أنها لم تستمر إلا عشرين سنة أو أكثر قليلاً. بعدئذ عادت إيطاليا إلى الديمقراطية والحرية من جديد. فلقد فقد العالم قيمه بعد أن ترك الديكتاتورية تبني مخابئ جديدة وضحايا بالجملة يومياً، وانفجارات نارية على مساحات العالم الثالث ومستنقعات من الدماء فعندما يتكلم الضمير تنتهي الجرائم. فالعولمة اليوم قد تقربنا من العالم رغم تعزيز الفوارق فمن التشابه المحدود القائم بيننا لماذا لا نستثمر الآثار التاريخية في بلادنا في السياحة العالمية ونجعلها مزاراً يقصده الزوار الذين يقصدون المخابئ ويشاهدون تاريخنا وتراثنا العظيم مثل مدائن صالح والأخدود والقرية القديمة والفاو والعلا ذات المقابر المنحوتة في الجبال، وجزيرة تاروت وقرية ثاج ومهد الذهب، لماذا لا نسخّر لها إعلاماً عالمياً ونحن دولة بها مقدسات يقصدها المسلمين من جميع أنحاء الأرض، لماذا لا نوظف الإمكانات لتنمية السياحة بحكم وجود هذه الآثار العظيمة؟ وها هنا لا تنحصر المقارنة بين المشتقات الفعلية إلا بالفعل الصائب ومواكبة الأحداث فالسير في اتجاه يميل إلى رفض العولمة من أجل الدفاع عن بعد محلي، يجعلها ترفع بيدها اليمنى حماية نفسها وفي اليد ألأخرى شعاراً من التخلف.