عيب، حرام، ما يصير، لا تفشلنا، أنت كويس وش اللي خلاك كذا! "هكذا يحل مجتمعنا مشكلات أفراده السلوكية والأخلاقية، هذه الطريقة في حل المشكلة توضح كم نحن نفتقر للفهم العميق للإنسان وطبيعته، فتلاحظنا حينما نجد أي شخص يقع في مشكلة سلوكية واخلاقية في نظرنا، لا نتوانى في الإلحاح عليه بالكلام وبكثرة النصح والتوجيه، دون أن نكلف انفسنا أي جهد في بحث مشكلته واسبابها، ونعتقد أن المشكلة يمكن حلها بالكلام فقط، وانها على علاقة عكسية بالتوجيه والنصح، فكلما زاد النصح نقصت حده المشكلة حتى تنتهي بتغيير سلوكه واخلاقياته، وإعادته إلى وضعه الطبيعي الذي من المفترض أن يكون عليه، وهذا لأننا لا نفهم المشكلة الا من قشرتها ونظن كل الظن انها حصلت بتقصير من صاحبها ليس إلا، وليس لها أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بظروف وعوامل معينة انتجتها. وهذا القصور في الفهم للمشكلة لم يعد كونه ثقافة خاصة ببعض افراد المجتمع، بل هي اصبحت ثقافة عامة، فهناك الكثير من مؤسساتنا الاجتماعية تنتجها، في المدارس مثلاً تتجسد فيها تلك الثقافة عبر المحاضرات التي يلقيها رجال الدين في المدارس، فالتربويين يدركون أن الطلبة قد يقعون في مسالك ودورب خطرة، منها التفحيط مثلا، فيذهبون مسرعين للتجهيز لمحاضرة جديدة، معتقدين أن الحل يكمن في عالم دين يلقي على هؤلاء الطلبة كلاماً يتخلله بعض النصائح والمواعظ والتهديد والوعيد، التي سرعان ماستثنيهم عن سلوكياتهم الخاطئة وتعيدهم لجادة الصواب، وانا لست بمنكر لأثر تلك المحاضرات على الطلاب، فهي قد تجعل طالباً ما يدرك الخطأ الذي هو عليه ويعزم على تركه، ولكن كم يدوم هذا الأثر؟!، انه اثر مؤقت وانفعالي في وقت المحاضرة أو إلى يومين من بعدها ثم تعود الامور سيرتها الاولى، لأن المشكلة اعمق من أن تعالجها المحاضرة ذاتها، فالمشكلة لا تعالج بالكلام، وليس الطالب صاحب المشكلة بحاجة إلى تعريفه بالخطأ الذي هو عليه، وعقابه في الدنيا والآخرة، إنما هو بحاجة إلى فهم لمشكلته وحلها واقعياً بعيدا عن التنظير. ما الحل إذن؟ الحل يكون في تغيير نمط تفكيرنا في حل المشكلات، فنتجه من مرحلة النصح والتوجيه او التوبيخ حتى وهي مرحلة الكلام الذي غالباً مايكون تنظيراً فوق الواقع، إلى مرحلة العمل التي تعتمد على استيعاب المشكلة من جذورها ومعرفة العوامل والاسباب، فهي الطريقة الأنجع ذات النتائج الواقعية الملموسة لحل المشكلات. وذلك على مستوى المؤسسات التي من خلالها سوف تشيع هذه الثقافة على مستوى المجتمع كاملاً. يقول علي الوردي "غيروا ظروف الناس تتغير اخلاقهم"، ويقول كونفوشيوس " الإنسان لا يتعلم المدنية إلا حينما يطعم ويكسى بشكل جيد". وهذه كلها دلائل تشير إلى اهمية الاسباب الواقعية والعملية في تغيير سلوك الإنسان واخلاقياته، وعليها فإن ايجاد الحلول للمشكلات لا يكون بالنصح والإرشاد أي بالتنظير!، بل يكون بالتعاطي بشكل دقيق مع عوامل واسباب المشكلة ودراستها جيداً وبالتالي معالجاتها. فالسارق مثلاً الذي يسرق بدافع الفقر والحاجة، سوف يبقى يسرق ولو اجتمع عليه علماء الامة يسدون له النصيحة تلو النصيحة والخطبة تلو الاخرى، لأن المشكلة واقعياً لم تحل حتى الان، وهي مشكلة الفقر والحاجة التي يتجرع مرارتها هذا السارق. وكذلك المفحطون وغيرهم من الشباب الشاذين اجتماعياً، هم شباب في اوج طاقتهم يبحثون عن التعبير عن ذواتهم وتحقيقها، ولم يجدوا لهم مساحة وفرصة إلا عبر التفحيط او غيره من السلوكيات الخاطئة، بصفتها هي الشيء الوحيد الموجود في ظل غياب دور مؤسسات الرعاية بالشباب.