لا تزال أوساطنا الرياضية والإعلامية تعاني من تعصب رياضي أوشك أن يتجاوز حدود اللياقة وحسن التعامل. لا نعترض على أن يشجع فلان من الناس ناديا بعينه، ولا نعترض على التحليل الموضوعي لمباراة أو حدث رياضي، كما لا نعترض على من يتحدث بموضوعية عن فريق لا يشجعه. في النهاية علينا أن نستهدف دعم مسيرة الرياضة في بلادنا التي هي في حاجة اليوم لكل ما يعيد لها أمجادها السابقة. استمعت إلى لقاءات رياضية، وقرأت تصريحات وتغريدات، ورأيت أن الدائرة اتسعت وأن التشجيع، أو بالأصح، التعصب بدأ يتغلغل ليصل إلى لحمتنا الوطنية، وتجاوز ذلك إلى أبعاد دينية. رأينا مشايخ يغردون وآخرون يردون، وبصرف النظر عن أية توجهات إلا أن السؤال المطروح هو : لماذا وصل بنا الأمر إلى هذا الحد؟ في المسار الصحيح، كنت في الاسبوع الماضي في مناسبة اجتماعية حضرها بعض المهتمين بالرياضة وبينهم عضو في مجلس شرف أحد الأندية وقد دارت نقاشات حول عدد من الأمور الرياضية الساخنة والميول التشجيعية، وخلال النقاشات وجدت طرحا متعقلا ورؤية تحليلية متعقلة تنأى عن التعصب وتصب في مسار المصلحة العامة. هنا أقول لماذا لا نسلك هذا المسار ونقوي من اللُحمة ونشجع بلا تعصب، ولا نُحمّل التشجيع أكثر مما يحتمل دينيا ووطنيا واجتماعيا؟ التشجيع الرياضي المتزن لا غبار عليه ولكن نشاهد بين جيل اليوم من يقوم بممارسة نوع حاد من التشجيع يساندهم في ذلك أولياء أمورهم أو من يعيش معهم تحت سقف واحد. العديد من مشاهد اليوتيوب وصور التويتر والانستغرام شاهد على ما نقول، وكل يوم نرى المزيد. في أحد شوارع العاصمة شاهدت سيارة يقودها أحد صغار السن ممن تشبع بروح التعصب وقد قام بتغيير لون سيارته الأصلي بلون الفريق الذي يشجعه وأخذ يختال بها في الشوارع. مثل هذا التصرف يبرز إلى أي حد وصل التشجيع، وكيف يمكن له أن يولد العداوات ويجعل أنصار الفرق الأخرى تتهجم عليه، وقد يصل الأمر إلى الاعتداء على السائق أو الإضرار بالسيارة. هناك من يرى أن وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي هي من يقف وراء التعصب الرياضي بما تعرضه وتكتبه من تعليقات يشترك فيها المحللون والمعلقون ورؤساء الأندية واللاعبون وغيرهم، وهناك من يعزو التعصب الرياضي إلى المدرجات وإلى تصرفات اللاعبين على أرض الملعب، وإلى النقاشات داخل المجتمعات والأسر. نحن هنا نقوا بأن هناك تعصبا بدأ ينذر بأجواء رياضية غير نقية ولكننا في الوقت نفسه نُعوّل على دور فاعل يمكن لأكثر من جهة القيام به. هذه الجهات، وإن كانت مسؤولة بدرجة كبيرة عن وقوع الضرر إلا أنها يمكن أن تقوم بدور فاعل في إصلاح الخلل. التشجيع له حلاوة ويثري الكثير من النقاشات ويُحفّز على الفوز، وهو أمر لا يمكن لنا أن نطالب بالتخلي عنه، ولكننا ندعو إلى ترشيده والالتزام بضوابط تحدد مساره، وتُغْني الساحة بنقد هادف بناء يلامس الجرح ويداويه ويبقي على المودة، وبالتالي نحقق أفضل النتائج الرياضية ليس على الساحة المحلية وإنما نتجاوز ذلك إلى بطولات ولقاءات دولية.