وقد تنوقلت بالتواتر روايات القراء عن أساتذتهم كما هو متعارف عليه من المدرسة البصرية رويس عن يعقوب، ومن المدرسة الكوفية رواية حفص عن عاصم ومن المدرسة المدنية رواية ورش عن نافع ومن المدرسة الشامية رواية الدوري عن أبي الدرداء، ومن المدرسة المكية رواية قنبل عن ابن كثير. تتمايز هذه القراءات في ظواهر صوتية معلومة. وهي لا تخرج عن تصنيف القراءات الثلاث السابقة فإذا عرفنا أن القراءة الحجازية (انتشرت في الشام ومصر وتركيا) وهي تميل إلى الصوتي والنغمي والتطريب في الأداء والتلوين. ولعل نموذجها الشهير المقرئ الحجازي عباس مقادمي. وأما اليمنية (في السودان وشمال أفريقيا) تميل إلى المدود الصوتية والامالات النغمية والأداء الحواري. ويمكن أن يمثلها المقرئون في اليمن وفي المغرب وتونس. ثمة أسماء شهيرة. وأما القراءة النجدية (شرق الجزيرة العربية والعراق وإيران) تعتمد التقنين الصوتي في الدرجات النغمية والتلوين في التمثيل والأداء التحزيني. والنموذج الخالد لها صوت المقرئ عبد الله الخليفي. لا يمكن القطع في النشأة المشتركة للقراءات، وتطورها بالإضافة إلى تكريسها وانتشارها وتعميمها. سواء من صيغتها التعميمية تربوياً وشرعياً أو ثقافياً ومؤسساتياً، ولا الفصل في الجذور الثقافية السابقة للإسلام من أثرها فى الثقافة العربية كالثقافة النبطية واليمنية والقبطية. ففي النقوش الحجرية وأوراق البردي إشارات عدة. وحين نستعرض الحناجر السماوية أو أصوات من السماء -بحسب الكاتب محمود السعدني- سنلقى مزيجاً من الأثر العربي الحجازي الذي عممته التسجيلات الإذاعية والتلفزيونية خلال القرن العشرين وصولا إلى التداولات الفضائية والشبكية فمن يذكر مصطفى إسماعيل ومحمد رفعت ويعرف عبد الله الحذيفي وعلي عبد الله جابر وأدرك خليل إبراهيم وعبد الحميد احساين سيتضح ما انعكس على محمد الهلباوي وماهر المعيقلي وعادل الكلباني ومشاري العفاسي وأحمد العجمي. إذا تمتعنا بذاكرة ممتازة تستوعب ما ظهر من تحت عباءة الأذان والقراءة من ابتهالات وأناشيد ومناقب وموالد بعضها اندمج أو امحى. بالإضافة إلى تسابق المنائر إلى تلك الحناجر لادركنا الثروة القرائية والصوتية والنغمية الهادرة بصورتها اليومية والموسمية والمناسباتية لكنها تربي السمع والذائقة والوجدان. حناجر خالدة. أصوات لا تموت.. *الحلقات الثلاث خلاصة، لاعتبارات تحريرية، دراسة مطولة عن مدارس القراءات القرآنية، وتحولات مدرسة القراء في نجد والحجاز. تنشر ضمن مشروع كتاب عن الخطاب الثقافي في فنون الأداء.