من الأفلام المميزة التي عرضت أواخر العام الماضي ولازال الحديث حولها جارياً هذا العام الفيلم الوثائقي "اكتشاف فيفيان ماير" "Finding Vivian Maier". وربما كان الفيلم خليطا من فيلمين آخرين أنتجا مؤخراً: أحدهما هو "البحث عن شوغرمان" للمخرج الراحل مالك بن جلول وقد حاز على أوسكار أفضل فيلم وثائقي عام (2012)، والآخر هو فيلم "ملح الأرض" (2014) للمخرج الألماني الشهير فيم فيندرز، والذي عرض مؤخراً في مهرجان كان وحاز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في قسم نظرة ما. ففيلم "اكتشاف فيفيان ماير" يجمع قصة غريبة وعجيبة لمصورة فوتوغرافية تُذكّر إلى حد ما ب"البحث عن شوغرمان" وخاصة أن القصة أيضاً معروضة بشكل مميز ومثير، وفي ذات الوقت فجماليات الصور المعروضة فيه والحديث عن التصوير كفن وانعكاس شخصية الفنان على أعماله، يذكر بفيلم "ملح الأرض" الذي يوثق حياة المصور سيباستياو سالجادو وأعماله التي تعكس نظرته للحياة والإنسانية، لكن الأول يختلف بسرده الديناميكي ومحاولته سبر أغوار شخصية غامضة ومتوفاة بالإضافة إلى توثيق رحلة البحث الجديرة بالإعجاب. يبدأ الفيلم بأول شخصيات الفيلم جون مالوف، وهو من كتب وأخرج الفيلم بمشاركة تشارلي سيسكل. يذكر مالوف أنه في عام 2007 حضر مزاداً واشترى منه صندوقاً مليئاً بنيجاتيف صور قديمة ب380 دولاراً، حيث كان يريد الحصول على صور توضح تاريخ المنطقة التي يسكن فيها في مدينة شيكاغو. وقد وجد في الصندوق ما يقارب 30 ألف إلى 40 ألف صورة، لم يتم تحميضها وطبعها، وتبدو جميلة جداً له لكنها ليست ما كان يبحث عنه. وقد تم تصوير الصور بين عامي 1950-1970 لمصورة تدعى فيفيان ماير. عاد لهذه الصور وهناك أسئلة كثيرة في ذهنه: أولاً من هي فيفيان ماير؟ وثانياً هل الصور جميلة فعلا كما يراها هو؟ وإذا كانت فعلاً جميلة فلماذا لم تحمض وتعرض؟ والسؤال الأهم: ما هي قصة ماير؟ وقد انتهى من رحلة بحثه إلى جمع 100 ألف صورة. الصور كما يعرضها الفيلم تثبت لنا أن ماير مصورة موهوبة وذات حس وروح خاصة بها. وقد قارنها بعض المصورين الذين تم لقاؤهم في الفيلم بأن صورها عن الشارع وحياة الشارع تملك حساً خاصاً لا يقل عن كبار المصورين المعروفين. الحس الجمالي عال جداً في صورها ووجوه الناس معبرة، فلديها قدرة على التقاط الأشخاص بوضعيات مميزة. كما أن الكاميرا التي كانت تصور بها وهي كاميرا ذات عدستين (تسمى (Rollieflex تسمح لها بأن تلتقط صور قريبة جداً من الأشخاص الموجودين بالشارع دون أن يعرفوا بأنها تلتقطها. وهناك أيضاً صور خاصة لها صورتها بنفسها كانعكاس لوجهها على المرآة أو على الزجاج. وما يثير الحزن أن ماير كانت تعمل مربية طوال الوقت، وقد توفيت قبل أن يبدأ مالوف بالكشف عن صورها، وعرضها في معارض أقيمت في عدة مدن أمريكية ولاقت رواجاً كبيراً. وعند مقابلة بعض الأطفال اللذين كانت تربيهم وأهاليهم، لم يكن أحد منهم يتوقع أبداً أن أعمالها تستحق المشاهدة، رغم أن الكاميرا لم تكن تفارقها، معلقة على رقبتها طوال الوقت. وكان الشيء الذي أجمعوا عليه، هو غرابتها وعدم قدرتها على التواصل بشكل جيد مع الآخرين. هناك جوانب أخرى أيضاً يكشفها مخرج الفيلم عن ماير وعن خلفيتها، والتي توضح أنها قضت حياتها دون أن يعرف أحد من هي وما هي الموهبة التي تمتلكها. الفيلم يثير الكثير من الأسئلة بشكل ذكي ولا يجيب على كثير منها. ولذلك فبعد المشاهدة تبقى كل هذا التساؤلات حاضرة ويبقى الفيلم حاضراً. أما ما يثير الإعجاب بهذا الفيلم، الذي حاز على عدة جوائز، فهو جهد مالوف في التعريف بماير وبفنها ورحلة البحث التي لم يأل فيها جهداً للوصول إلى حقيقتها، رغم أن الكثير لا يزال غامضاً. وقد شكلت رحلة البحث خيطاً رئيسياً في السرد وقد أغناه بعرضه بشكل حيوي، فأن يحيي فنان فنانة من جديد بعد أن واراها التراب هو من أكثر الأشياء الملهمة والمؤثرة في الفيلم. من صور فيفيان التي عرضها الفيلم