عرض مهرجان الخليج السينمائي، في إبريل 2013م بدبي، عملاً درامياً سعودياً طويلاً بعنوان «صدى» للمخرج الشاب سمير عارف.. العمل نموذج مثالي للسينما بلغة التليفزيون، وهو في كل حال ليس سينما، إنما شكل درامي أوجده التليفزيونيون عندما مزجوا العمل التليفزيوني بالتقنيات السينمائية، ليخرجوا بشكل فيلمي يناسب المشاهدة العائلية في المنزل على شاشات التليفزيون، ولعل المخرج السوري نجدة أنزور كان قد بدأ هذا الاتجاه عندما قدم في بدايات التسعينيات مسلسل «نهاية رجل شجاع»، ثم تلته أعمال عديدة له ولمخرجين تليفزيونيين سوريين آخرين، ما زالت أعمالهم محتفظة بصور رائعة في تكويناتها البصرية وأحجامها المتناسبة مع الشاشة الصغيرة. غير أن تمثيلية «صدى» يمكن تصنيفها على أنها تمثيلية تليفزيونية، اشترك بها المخرج في المهرجان على أنها فيلم سينمائي.. وهنا تكمن المغالطة. فالخوف من أن يتجه مخرجون في الخليج للاشتغال بذات الأسلوب.. تبرع سهرة «صدى» التمثيلية منذ الثانية الأولى في الاشتغال بلغة التليفزيون، ومنذ نزول (التتر) والأسماء على الشاشة، يتيقن المشاهد من نوعية الموسيقى المستعملة أنها تشابه تلك المستخدمة في مقدمات المسلسلات، ما تُوجد لديه شعوراً أولياً بأنه سيشاهد عملاً تليفزيونياً، ويدعم ذلك الشعور عرض (مقتطفات من السهرة!) و(سلو موشن) في المقدمة!، ثم يتعزز ذلك بطريقة أخذ الكوادر (الفريمات) وزوايا اللقطات وأحجامها، إلى أن تبدأ الأحداث، فيؤكد له السرد والإيقاع الزمني وحركة الممثلين والحوارات بين الممثلين أنه يشاهد تمثيلية تليفزيونية بعيدة عن الفن السينمائي.. فطريقة السرد في التمثيلية مشغولة بطريقة تليفزيونية خالصة، وسيناريو العمل بأكمله مكتوب بطريقة سيناريوهات التليفزيون، هذا غير الحس التراجيدي الذي اكتنف العمل، وهو قالب متوارث في الدراما التليفزيونية الخليجية والعربية على السواء. هذا يقود إلى التوقف أولاً على عنصر السرد، فهو يمثل طريقة التتابع في روي القصة وعلاقة المروي عنه بالمروي له، بواسطة عرض الأحداث بالكيفية التي يراها المخرج، وبطبيعة الحال تختلف طرق عرض الأحداث باختلاف أساليب السرد، ومن هنا كان الفرق بين السرد السينمائي والسرد التليفزيوني.. في السرد السينمائي الأمر محدد بوقت لا يتجاوز ال 90 دقيقة أو ال 120 دقيقة، وربما في بعض الأفلام يزيد بقليل، لأنه مرتبط بالإيقاع والزمن. والإيقاع كلما كان سريعاً كانت الأحداث متصاعدة، ويكون بطيئاً نتيجة لطبيعة الأحداث وطبيعة أدوار الممثلين وطول فترات الحوارات بينهم.. وعلى هذا النحو ينطبق الحال على زمن اللقطة، فكلما كان قصيراً كان الإيقاع أسرع والعكس بالعكس، وعليه فإن طريقة سرد الأحداث هي التي تحدد إيقاع الفيلم، وهو أمر يتحكم في شعور المشاهد إما بالضجر أو الاستمتاع.. وفي «صدى» تباطأ الإيقاع إلى الحد الأقصى مع بطء حركة الكاميرا وشريط الصوت المصاحب لموسيقى هادئة تزيد الإحساس بالإيقاع الرتيب. ومن البديهي في السرد الدرامي التليفزيوني أنه يميل إلى الاستطراد والإسهاب، حيث إن السرد الزمني مرتبط بتقنيات أخرى مثل الاسترجاع والاستباق.. والاسترجاع، كما هو معروف، عملية رواية الأحداث في الزمن الحاضر عن الزمن الماضي، أما الاستباق فيتم الانتقال من الحاضر إلى المستقبل.. والسرد التليفزيوني يعتمد على تعدد أشكال السرد الاستطرادي، بسبب طول الحلقات، وقد يكون السرد عمودياً خالياً من أية تقنيات سردية، كما جاء في التمثيلية.. بينما السرد السينمائي يعتمد على الإيجاز والإيحاء الصوري وعلى الإشارات الدالة وعلى حيل المخرج التي يضمنها الفيلم لتفهيم المشاهد معنى معيناً، ويكون ذلك بشكل مدروس مع وقت الفيلم الكلي، وعليه السرد في سهرة «صدى» يتبع النفس التليفزيوني الطويل المسهب والمستطرد المباشر البعيد عن التلميح أو الإيحاء. من زاوية أخرى، فإن آلية التصوير السينمائي لا تختلف عن التصوير التليفزيوني من حيث توظيف أحجام اللقطات أو زوايا التصوير أو حركات الكاميرا، فهذه تعد إحدى أدوات المخرج السينمائي أو التليفزيوني، ولكن أين يكمن الاختلاف بين التصويرين التليفزيوني والسينمائي؟ إن الاختلاف يأتي في التقنية وبعض التوظيفات، وفيما يتعلق بالتقنية مثلاً نجد أن الكاميرا السينمائية تختلف كثيراً عن الكاميرا التليفزيونية من ناحية الإمكانات، وتتشابه من ناحية الأساسيات، مثل مفتاح (زر) التسجيل وعتلة التقريب (الزووم) والعدسات، وأيضاً هناك اختلافات في الشريط المستخدم وعدد الفريمات بين الأنظمة المختلفة وطريقة الطبع. لذلك، فإن أي مشاهد يمتلك دقة الملاحظة إذا شاهد مقطعاً من عمل تليفزيوني أو عمل سينمائي سيلاحظ الفرق بينهما بسهولة. هذا حتى لو روعيت نوعية الكاميرا التي تختلف اختلافاً جذرياً في الحالتين. والسبب هو عدد اللقطات المصورة في الثانية. فكاميرا السينما تلتقط 24 صورة في الثاني. أما كاميرا الفيديو (أي التليفزيون) تلقط صوراً أكثر من هذا الرقم. تدور أحداث تمثيلية «صدى» حول عائلة صماء وبكماء، تتكون من أب وأم يتعاملان بلغة الإشارة ولديهما طفل سليم، يسمع ويتكلم.. تجسد الممثلة مروة محمد دور «ليلى» الصماء البكماء، أم الطفل «ريان» الذي يواجه مضايقات من زميله في المدرسة بسبب أن والديه صم بكم، فتحدث له حالة نفسية متردية، وتستمر الأحداث حتى يتعرض «ريان» لحادث سير، وأثناء تأثره كان ينادي على والده، الذي شعر بصدى صوته في داخله، فأحس «ريان» بالأمان.. نجا «ريان» من الحادث، واستمرت الحياة. هذه هي قصة السهرة التي عرضت على أنها فيلم سينمائي بعنوان «صدى»، وهي قصة جميلة مبنية على سرد تليفزيوني جيد، ولكنه ليس سينمائياً بأي حال من الأحوال.. ماذا لو تخيل مخرج آخر بأنه سيخرج هذا العمل للسينما؟.. كيف سيتناوله؟