تُحاول بعض القنوات الفضائية المهتمة بعرض موروثنا الشعبي -بقصدٍ أو دون قصد- التأثير بشكلٍ سلبي على مفهوم اللحمة الوطنية بين أفراد الشعب الواحد، وذلك بتبنيها عرض بعض البرامج والمسابقات التي تعزف على وتر التعصب، وتمجيد عائلة أو قبيلة دون أخرى، سعياً منها -على ما يبدو- وراء الهدف المادي فقط، دون النظر إلى العواقب الوخيمة التي تسببها إثارة تلك النعرات المقيتة، ناهيك عن إنتاج تلك القنوات برامج ومسابقات شعرية تُغذي النهج القبلي، لتُشعل المنافسة على أسس عنصرية وليس على أساس الجدارة والاستحقاق. وأكَّد مختصون على أنَّ العديد من هذه القنوات لم تخدم الأهداف السامية التي تعزز اللحمة الوطنية وتربي الناشئة على التعاون والوقوف صفاً واحداً في وجه ما قد يهدِّد أمن مجتمعنا وترابطه، مُضيفين أنَّ بعض هذه القنوات تُركِّز على إذكاء النعرات القبلية والاعتزاز بالعشيرة على حساب الوطن والهوية، داعين الجهات المعنية إلى تشديد الرقابة على هذه القنوات، ومتابعة ما يتم عرضه فيها، والعمل على تصويب وتنقيح ما تعرضه من "منقيات" أو حفلات، بحيث تستوفي شروط نشر الخير والمحبة والوحدة، وتبتعد عن القدح والذم والمهاترات، التي تُؤثر بشكل سلبي على العلاقة بين أبناء الوطن الواحد. أهداف سامية وأشار "أ. د. علي الشهري" -وكيل جامعة الأمير نايف العربية للعلوم الأمنية للشؤون الأكاديمية- إلى أنَّ العديد من القنوات المهتمة بالموروث الشعبي لم تخدم الأهداف السامية التي تعزز اللحمة الوطنية وتربي النشء الجديد على التعاون والتكافل والوقوف صفاً واحداً تجاه كل ما قد يُهدّد أمن مجتمعنا وترابطه، مؤكداً على أنَّ المجتمع السعودي ينعم -ولله الحمد- بقيادة حكيمة رشيدة تُطبق تعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء التي تُبغض هذه النعرات القبلية، خصوصاً في بلدنا الذي يضم بين جنباته أعرق المقدسات الدينية. د. علي الشهري وأوضح أنَّ الأسئلة التي يجب أن تطرح هنا، هي هل تستشعر هذه القنوات عظم المسؤولية المُلقاة على عاتقها فيما يتعلق باللحمة الوطنية وتحقيق التلاحم والاعتدال والمحافظة على الهوية والاعتزاز بمنجزات الوطن ومكتسباته؟، وهل هذه القنوات تحث الشباب على توقير العلماء، وعلى الالتزام بالأنظمة؟، مؤكداً على أنَّ الإجابة عن هذه التساؤلات هي من خلال ما نراه ونشاهده من برامج على هذه القنوات -وبكل أسف- أنَّها لا تجعل من كل ما تمت الإشارة إليه من تساؤلات من ضمن أولوياتها. نعرات قبليَّة وأضاف "أ. د. الشهري" أنَّه على العكس من ذلك، فإنَّ بعض هذه القنوات الشعبية تُركِّز على إذكاء النعرات القبلية والاعتزاز بالقبيلة والعشيرة على حساب الوطن والهوية، موضحاً أنَّه يجب على هذه القنوات ألاَّ تكون معول هدم في البناء الوحدوي والاجتماعي بهذه البلاد، مُشيراً إلى أنَّ بعض القائمين على هذه القنوات الشعبية لا يدركون أبعاد بعض البرامج والأنشطة الشعبية التي يتم تقديمها على الوحدة الوطنية، سواءً كانت تراثية أو قصائد ومحاورات، مُشدِّداً على ضرورة إيجاد إستراتيجية تنظم عمل هذه القنوات بحيث تُشرف عليها الجهات ذات الاختصاص، وتعمل على تطبيقها هذه القنوات، على أن تتم محاسبة كل من خرج عن الجادة. العائد الماديّ وقال "علي الغامدي" -مستشار وكيل وزارة التربية والتعليم، والمشرف على قسم برامج التبادل الثقافي مع الممثليات الأجنبية الأسبق-:"لا نستطيع بأيّ حالٍ من الأحوال أن نتغافل عن أنَّ تلك القنوات أفرزت وأسهمت من خلال ما تعرضه من التمجيد والاعتزاز بالقبيلة في تغذية العصبية المقيتة عبر استجرار الماضي ومكاسبه، إلى جانب تبنيها بعض المسابقات التي تشعل الحزبية وتذكي القبليّة من خلال بعض الآليات التي تصب في النظر إلى العائد المادي دون الأخذ في الحسبان العواقب الوخيمة لها. وأضاف أنَّ من ذلك، طريقة التصويت في المسابقات والبرامج التي تُقدمها هذه القنوات، موضحاً أنَّه من النادر أن تتم على أساس الجدارة والكفاءة، مُبيِّناً أنَّها ترتكز في الغالب على قاعدة العزوة والربع والعشيرة، بعيداً عن أيّ مهنيّة أو مُسوِّغ فكري أو أخلاقي، إلى جانب ما يتبع ذلك من حفلات التفاخر بالفائزين من قبل قبائلهم وتمجيد أدائهم في مشهد يعلمون هم قبل غيرهم زيف وعدم صدقه وواقعيته –على حد رأيه-، مُشيراً إلى أنَّ مثل هذه البرامج وغيرها تساعد في نشر بعض السلوكيات السيئة، خصوصاً في بعض الفقرات التي تعرضها هذه القنوات، كالمحاورات الشعرية. وبيَّن أنَّ العديد من تلك المحاورات الشعرية تكون بعيدة عن الشعر الرصين، ناهيك عن استعمال الحماس القبلي وإلهاب المشاعر، وذلك بنشر وعرض ما يعرف بالمنقيات، والتي عندما يسمعها المرء ويشاهدها يشعر وكأننا مقدمين على ساحة حرب ومستعدون للمعركة والنزال، لافتاً إلى أنَّ هناك أمور سلبية أخرى يوفرها شريط المحادثة في أسفل شاشة تلك القنوات الشعبية، موضحاً أنَّه يحتوي في كثير من الأحيان على مساحة خصبه وبيئة حاضنة للرذيلة والسلوكيات المحرمة والتواصل بين الجنسين. تشديد الرقابة ودعا "الغامدي" الجهات المعنية إلى تشديد الرقابة على القنوات الفضائية الشعبية، ومتابعة ما يتم عرضه فيها، والعمل على تصويب وتنقيح ما يعرض على هذه الشاشات من منقيات أو حفلات، بحيث تستوفي شروط نشر الخير والمحبة والوحدة، وتبتعد عن القدح والذم والمهاترات، التي تُؤثر بشكل سلبي على العلاقة بين أبناء الوطن الواحد، مطالباً في الوقت نفسه بمنع عرض كل الحفلات والبرامج التي تُمجّد قبائل دون غيرها، مؤكداً على أنَّ استمرار هذه الوسائل بهذه الطريقة ينخر في جسد لحمة أبناء الوطن الواحد. ولفت إلى أنَّ من الواجب التنويه إلى أنَّ هذه القنوات إذا التزمت برسالة الوطن الواحد، فإنَّها ستوفر للمهتم الفرصة الثمينة ليتعرف على عادات وتقاليد مكونات المجتمع الأخرى في كل أرجاء وطننا الغالي، ناهيك عن الدور المهم الذي يمكن أن تؤديه في جانب توثيق الموروث ومنحه القيمة التي يستحقها. حمل السلاح وشدَّد اللواء متقاعد "حسين حبتر" -مدير هيئة العمليات بالقوات المسلحة الأسبق- على أهمية توقف القنوات والوسائل الإعلامية الشعبية التي تؤصل مفاهيم الرجوع للوراء وتثير النعرات القبلية عن مثل هذه الممارسات، مُضيفاً أنَّ التعزيز والترويج لبعض الأسر أو القبائل -كما يحدث الآن- يجعل السباق محتدماً بين تلك القبائل والأسر، وبالتالي يبدأ التصعيد في الظهور الإعلامي والتقليد والمحاولة للتنافس فيما بينها، مُشيراً إلى أنَّ بعض المناسبات والحفلات التي تبثها تلك القنوات الشعبية تُظهر التفاخر بالولائم والتبذير وبحمل السلاح إلى درجة خطيرة. واستشهد في هذا الشأن ببعض المناسبات التي يتباهى فيها حتى الأطفال بحمل السلاح، مؤكداً على أنَّ لذلك مساوئ وعواقب وخيمة وخطيرة جداً يجب التنبّه لها ومنعها فوراً، حتى لا نصل إلى مرحلة لا تُحمد عقباها، مُشيراً إلى أنَّ الخوض في مسألة الأنساب والأصول والتباهي بها أمر منبوذ في شريعتنا الإسلامية، ناهيك عن أثره الخطير في تفكيك وتفتيت نسيج المجتمع الواحد في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التكاتف والتعاضد والوقوف صفاً واحداً خلف قيادتنا وعلمائنا. علي الغامدي اللواء حسين حبتر نشر «المنقيات» يزيد التنافس وقد يرمي إلى الخلافات بين المشاركين التفاخر بحمل السلاح أصبح من المشاهد المألوفة على القنوات