يؤمن الجميع بحق ذوي الإعاقة في التعليم؛ وأنه لا بد أن يكون تعليمهم حسب إمكانياتهم الجسدية والعقلية مع مراعاة الجانب النفسي؛ لكن ما يحدث لدينا في تعليم المعوقين حركياً أبعد ما يكون عن ذلك.. يلتحق الطفل المعوق حركيا عادة بجمعية الأطفال المعوقين ويتعلم عند معلمات يدركن جيداً التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة وفي أجواء اهتمام بقدراته ونفسيته. معلمات متمكنات من ترويض منهج التعليم العام ليناسب المعوقين بالتركيز على الأساسيات والتغاضي عن بعض المهارات التكميلية في المناهج والتي تتضمن معلومات إضافية أو حشواً تعليمياً. ثم يلتحق بالتعليم العام بدءاً من الصف الثالث وتقدم وعود من وزارة التربية لأسرته بنقل آمن وعامل يتابع المعوقين- خلال اليوم الدراسي. للأسف لا النقل آمن وليس هناك عامل؛ ذهبت وعود الوزارة أدراج الرياح. فقد يسقط الطالب من كرسيه المتحرك لشغب الطلاب الطبيعي في هذه المرحلة العمرية ولعدم وجود مراقب لهم. أما السائق فيُكلف بنقل عدة طلاب في أحياء مختلفة فيكون مضطرا للسرعة وبالتالي قيادته غير آمنة على الإطلاق.. أما تعامل المعلمين معهم فحكاية أخرى فيما بين معلمٍ واعٍ متفهم لوضعهم يحفزهم ويشجعهم، إلى آخر ينتقص من إمكانياتهم لكونهم يجلسون أمامه على كراسي متحركة؛ حتى إن بعضهم يرفض وجودهم في الفصل ويحرمهم المشاركة ويهمش وجودهم. في المرحلة المتوسطة تبدأ معاناة جديدة لأطفال معوقين لا حول لهم ولا قوة؛ ولا ذنب لهم في كونهم معوقين. حماسهم كبير لمرحلة جديدة ينتقلون لها ولكن معظم مديري المدارس يرفضون دمج طلاب الإعاقة الحركية بحجة أن مدارسهم غير مهيأة بمنزلقات ولا يتوفر باص خاص لنقلهم. حتى المدارس الأهلية لا ترحب بهم لأنهم سيكلفونهم مادياً في تجهيز المدرسة علما أن التربية الخاصة في الوزارة تُسقط من رعايتها واهتمامها الطالب الذي يلتحق بمدرسة أهلية.. لعلي لا أفشي سراً إذا تحدثت عن سبب رفض مديري المدارس ومعلميها لدمج طلاب العوق الحركي وذلك أن الوزارة لم تقر لهم حافزًا ماديًا كما أقرته لمن يعمل مع الإعاقات الأخرى. كنا نتمنى أن لا تدخل الوزارة في معمعة الحوافز المادية في دمج جميع الإعاقات فقد كان أمامها حوافز للمعلمين كتقليل النصاب أو عدد الطلاب أو زيادة الإجازة السنوية لهم ولغيرهم من مديرين ومشرفين، فالحوافز المادية قتلت الجانب الإنساني وألهبت الطمع في النفوس. أوضحت دراسة أجراها فريق علمي سعودي برئاسة الدكتور عامر بن ناصر المطير، من جامعة الملك سعود، أن نسبة كبيرة من المعوقين والمعوقات حركياً انقطعوا عن مواصلة التعليم بسبب ظروف البيئة المدرسية غير الملائمة التي لا تخفف من معاناتهم، أو بسبب عدم توفر نقل مدرسي مناسب، مما زاد من الأعباء على أسر المعوقين والمعوقات حركياً. والله لا يلامون أمام تعنت المسؤول وقسوة المربين ورفض المعلمين. سؤال يطرح نفسه: لِمَ تُعمل الدراسات البحثية إذا كانت الجهات المعنية لن تقوم بتوصيات تلك الدراسات؟ أي عبث هذا؟ مرّ شهر من بداية العام الدراسي؛ وابني المعوق حركياً لم يبدأ عامه؛ يعيش يومه محبطاً حزيناً يتأمل كتبه ويقلبها تحير دمعته في عينه حتى افتقد كل حماسته للتعليم. كنا - كأسر لذوي الإعاقة - نريد تعليمًا لا تعقيدًا لأبنائنا؛ تعليمًا يأخذ بأيديهم إلى الثقة بأنفسهم، إلى قتل إحساس الاختلاف الموجع الذي يشعرون به. ما زلنا نتمنى تعليمًا باستراتيجية خاصة لهم لأنهم فئة خاصة، استراتيجية تراعي ظروفهم وإمكانياتهم. عدد ساعات دوام أقل، مهارات تعليمية أقل. يشتكي الطلاب الأصحاء من الواجبات المدرسية فما بالكم بمعوق يمتلئ يومه بمهام تحافظ على صحته. نريد لهم خدمات نفسية تجعلهم يُقبلون على الحياة وينافسون فيها على الإنجاز والعمل، من العجائب أن الطالب المعوق حركيًا يُطالب بواجبات ويُدرس مواد ومهارات كالطالب السليم! المعوقون أيها الأعزاء لا يعيشون يومهم مثل الأصحاء، بعضهم يتناول الأدوية ويخصص وقتًا وجهدًا لعلاجه الطبيعي. وبعضهم كأطفال الصلب المشقوق لا يتحكمون في مخارجهم ويحتاجون إلى عمل قساطر بولية -أكرمكم الله- فهل تتوقعون أن يجلس في فصل سبع حصص متتالية؟! المؤلم أنه رغم تواصلنا كأسر لذوي إعاقة مع المسؤولين عبر المقالات وفي مواقع التواصل لا نلمس تغييراً ولا حتى تجاوباً يمنحنا الأمل بأن هناك تغيير للأفضل نداء أوجهه عبر منبر هذه الجريدة الغراء لأمير التعليم خالد الفيصل أنقذ أبناءنا المعوقين من تعليم يرهقهم ويزيدهم ألماً يكفيهم همّ الإعاقة. المعوقون أبناء لهذا الوطن ولا أظن أن الوطن يتخلى يوماً عن أبنائه دُمت ياوطني شجرة مورقة تظلنا جميعاً بدون استثناء .