يبدو أن القيادة الصينية التي انتخبت في مارس 2013، ووصلت إلى السلطة بعناوين إصلاحية، تواجه مشكلة تتعلق بالديموقراطية. فالرئيس "تشي جين بينغ" الذي ينتمي لجيل ما بعد قيام الجمهورية الصينية التي كان والده شريكاً في تأسيسها، يقف أمام اختبار صعب لم تواجهه الصين منذ 1989م، عندما وجد "جيانغ زي مين" الرئيس الخامس للجمهورية نفسه أمام احتجاجات في ساحة "تيانانمين" في قلب بكين وقريباً من قصر الشعب. اليوم وعلى مقربة من قيادة جيش التحرير الشعبي الصيني احتل شبان المنطقة المركزية في جزيرة هونغ كونغ، التي يبدو أنها ما زالت تحافظ على التقاليد السياسية البريطانية والتي ترسخت في الذهنية المؤسسية لسكان تلك الجزيرة "المتفرنجة". تشكل التظاهرات التي انطلقت منذ حوالي أسبوع ضغطاً شديداً على المفهوم الذي تروج له القيادة الصينية منذ عقد من الزمن والمسمى "بلد واحد ونظامان"، وبينما كان الرئيس الصيني تشيجين بينغ يتحدث حول هذا المفهوم في العيد الخامس والستين لقيام الجمهورية الشعبية في محاولة لإغراء " التايوانيين" وحثهم على فهم هذا الموضوع، والقيام بخطوة نحو الوطن الأم أو البر الرئيسي، يبدو أن هذا المفهوم لم ينضج بعد بشكل كافٍ ليصبح مغرياً لسكان تايوان في ظل تصاعد الاحتجاجات في هونغ كونغ. وعلى ما يبدو فإن القيادة الصينية الجديدة ستواجه مأزقاً وحرجاً كبيرين، فهي تجد نفسها أمام حلين أحلاهما مرّ؛ فمن جهة لا يمكن تقديم تنازلات كبيرة والخضوع لمطالبات المحتجين، إذ إن من شأن ذلك تشجيع الحركات الاحتجاجية والنزعات الانفصالية، خصوصاً في منطقة "شيانجيانغ" والتي تقطنها أغلبية "الإيغور" المسلمة، والتي ما انفكت تشهد اضطرابات من وقت لآخر. الحل الآخر قمع التظاهرات بالقوة وهو ما سيوقع القيادة الصينية الجديدة في أزمة شديدة أمام المجتمع الدولي، الذي يبدو أنه بدأ في " شحذ سكاكينه " مبكراً ومنذ اندلاع الاحتجاجات، وهو ما تكرهه بشدة الحكومة في بكين، وتراه أمراً بالغ الخطورة، إذ إن لدى الصين عقدة تاريخية من التدخلات الخارجية. وإذا ما سلكت الحكومة الحل الثاني فستجد نفسها أمام انتقادات يجب أن تعد العدة للتصدي لها، خصوصاً وأن أي صدامات ستكون مكشوفة، وعلى مرأى ومسمع من أعين وآذان العالم، في ظل ثورة مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، والتي عمدت السلطات الصينية لحجبها، بعد أن شهد موقع "انستغرام" الشهير إقبالاً كبيراً من المحتجين الذين سعوا لترويج صور الاحتجاجات من قلب الحدث. في ظل تعتيم يمارسه الإعلام الصيني الذي لا يظهر على مواقعه الرسمية سواء موقع وكالة شينخوا الرسمية أو صحيفة الشعب على الانترنت أي معلومات تشير إلى هذه الإحتجاجات. في الغالب، ستلجأ القيادة الصينية إلى محاولة الوصول إلى حلحلة سياسية مع المحتجين على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، فبكين التي تحاول تفنيد اتهامات بعدوانيتها في محيطها الاقليمي، ستعمل بشتى الوسائل على تأكيد ذلك على المستوى الداخلي، وإذا ما نجحت يكون الرئيس "تشي جين بينغ" قد اجتاز أهم اختبارات السنة الأولى في رئاسته التي ستمتد غالباً إلى عشرة أعوام.