هل يمكن أن يصور فيلم حياة المغني جيمس براون؟ فحياة هذا المغني الذي يعد بالنسبة للأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية هي حياة ملهمة لموسيقي كبير. إنه المغني صاحب أغنية "Say it Loud-I'm Black and I'm Proud" (قلها بصوت عال: أنا أسود وأفخر بذلك) والتي غيرت شعور كثير من الأمريكيين السود تجاه أنفسهم وأعطتهم شعوراً بالفخر والكرامة. وهو أيضاً الملقب ب "عراب أغاني الروح" والذي ساهم في تأسيس عدة ألوان موسيقية منها موسيقى "Funk" وهي الموسيقى التي تمزج بين الموسيقى الأفريقية والموسيقى الأمريكية وموسيقى "الروح" و"الروك آند رول" وموسيقى ال "Rhythm and Blues" (وهي الموسيقى التي بدأ منها براون وتنتمي إليها الأغنية الشهيرة Get On Up والتي اقتبسها المخرج عنواناً لفيلمه). ليس هذا فقط فحياته الفنية وحدها مرت بمراحل عدة، منها خلافات عديدة مع أعضاء فرقته الموسيقية، فهو "الفنان الأكثر عملاً في عالم الاستعراض". إلى جانب حياة شخصية حافلة بعلاقات نسائية، انتهت في كثير من الحالات، بطلب الشرطة، بسبب استخدام العنف، وطفولة مشردة وعلاقات صداقة أثر عليها كثيراً النجاح والشهرة. إضافة إلى رحلة مع الإدمان ومطاردات مع الشرطة ومواقف سياسية دفع ثمنها أحياناً من جماهيريته. تبدو سيرة كهذه عصية على التقديم الكامل، ولهذا كله حاول فيلم "Get On Up" التركيز على الشخصي وتكثيفه، وإن لم يستطع حتى في هذا الجانب تغطية كافة الأحداث الرئيسية في حياته. لكن الفيلم في كل الأحوال، ومهما كان هناك من مآخذ عليه، قد نجح عبر بطله تشادويك بوسمان في إحياء براون في أداء مبهر لشخصية صعبة جداً. واستطاع المشاهد أن يرى الجوانب الإبداعية والخاصة لبراون كما يرى الجانب المظلم من شخصيته. يتقطع السرد زمنياً بشكل فني ممتع، فالفيلم يبدأ من نقطة النهاية ثم يعود إلى أزمنة مختلفة من حياة براون، تتداخل مع بعضها البعض، ولكن دون أن نفقد القدرة على الفهم، بل إن تقاطعات الزمن هذه أضافت ديناميكية على إيقاع الفيلم، وهي مكتوبة بشكل يركز على الجانب النفسي أكثر من تركيزها على الحقائق والأحداث. ومع هذا فقد غابت الفترة التي قضاها في السجن بعد مطاردة مع الشرطة وكان تحت تأثير المخدر رغم أنها فترة مهمة من حياته أثرت عليه بعد خروجه. في المقابل، شاهدنا الكثير من التقلبات النفسية، فهناك الطفولة البائسة حيث تركته أمه (فيولا ديفس) بسبب عنف أبيه (ليني جيمس) ومشاكله المالية. حرم جيمس الطفل من أمه بناء على طلب أبيه الذي منعها من أخذه تحت تهديد السلاح، وبقي مع أبيه العنيف إلى أن تركه لينضم إلى الجيش. نشاهد براون يعمل عند خالته هوني (أوكتافيا سبينسر)، ويدخل في أحد الأيام كنيسة وتجذبه الموسيقى ويبدأ بالاشتراك مع الحضور في غناء الترانيم. يسرق بدلة ويذهب إلى السجن ويتعرف حينها على رفيق عمره بوبي بيرد ومنها تبدأ رحلته في عالم الغناء، حيث يؤسسان، بعد خروج براون من السجن، فرقة "The Famous Flames" والتي تحت إدارة براون تسجل أول أغانيها "Please, Please, Please" ومعها يبدأ مشوار الشهرة والمشاكل مع الموسيقيين بسبب تسلط براون ورغبته في الاستحواذ على كل شيء. في الوقت ذاته نشاهده يبدع في ابتكار ألحان موسيقية جديدة مع حضور مجلجل وساحر على المسرح. وقد استطاع المخرج تايت تايلور أن ينقل حضور جيمس الديناميكي على المسرح عبر أداء بوسمان الاستثنائي. تقاطع الأزمنة الناجح يظهر علامة تميز قوية في الفيلم تحسب للمونتير مايكل ماكوسكر، والذي قد ترشح للأوسكار عن مونتاجه لفيلم " Walk The Line " عام 2006. فقد كان المونتاج عاملاً أساسياً في الانتقال السلس من حقبة زمنية إلى أخرى بل إنه أحياناً تتداخل بين الأزمنة وأغاني براون تتوالى بشكل ممتع وجميل. أغلب الظن أن فيلم "Get On Up" لن يصل بمخرجه إلى ترشيحات مهمة كما فعل فيلمه السابق "The Help". وذلك لأن الفيلم افتقد بعض الأجزاء المهمة من حياة براون. ولكنه لو فعل فهو يستحق أولاً ترشيح جائزة أحسن ممثل ثم ترشيح جائزة أحسن مونتاج. ورغم هذا يظل الفيلم ممتعاً ويلقي جزءاً من الضوء على حياة المغني الذي احتل رقم 7 في قائمة أهم 100 موسيقي أمريكي. لقطات من الفيلم جيمس براون