أطلّ المغني والمؤلف الموسيقي وكاتب الكلمات الأربعيني ماتيو شديد ذو الأصول اللبنانية على مسرح «ميوزك هول» في بيروت أمس بقصة شعره ونظاراتيه اللتين تشبهان نظارتي باتمان وأزيائه الغريبة التي تذكّز بألفيس برسيلي. بدا ابن المغني الفرنسي لويس شديد وحفيد الشاعرة المصرية من أصل لبناني أندريه شديد، كأنه شخصية كاريكاتورية آتية من أفلام التحريك وقصص المراهقين المغامرة. الحفلة التي نظّمها المركز الثقافي الفرنسي ونفدت بطاقتها من اليوم الأول، أرادها شديد، كما يقول ل «الحياة»، أن تكون مميزة وحميمة لأنها في بلده الأم الذي كان يحلم بزيارته والغناء على مسارحه. فهذه زيارته الأولى له إلى وطن الأجداد الذي يعرفه من خلال الصور وحكايات الجدة فقط، وبالتالي كانت «صورته مشوّشة في ذهني». لذا اختار أخاه وأخته ليشاركاه الحفلة في جوّ عائلي حالم، وأدوا أغاني من ألبومه الجديد «إيل» وأخرى من ألبومات سابقة. وهل تحيله هذه التجربة الناجحة إلى إصدار ألبوم عائلي بالاشتراك مع أبيه لويس؟ هي فكرة جيّدة بالنسبة إلى ماتيو الذي تربطه علاقة قوية بعائلته قلّما نجدها في الغرب، وأكد أنه يفكر في أن يقوموا جميعاً بجولة ومن ثم يقرروا ما إذا كانت تستحق أن تسجل في ألبوم منفرد. أخذت من جدتي الدهشة والحلم بدأ ماتيو شديد أو «M» صاحب الصوت الرقيق، مسيرته صغيراً، وأسس فرقاً عدة قبل أن يستقل ويعرف الشهرة في العام 1997 حينما وقّع الألبوم الأول له «Le Baptême»، ثم الثاني «Je dis aime» في 1999 الذي أتت أغانيه ملوّنة ولامعة تحمل صدى قوياً للموسيقى الإلكترونية والروك والفانك والبوب. وزادت شهرته عندما أدّى غناءً جنريك النهاية في فيلم التحريك «Les Triplettes de Belleville» للمخرج سيلفان شوميه. وفي العام 2000 فاز بلقب أفضل مؤد موسيقي، وسجّل أفضل حفلة موسيقية في فرنسا، باعتراف جمهوره والنقاد. يخطط ماتيو لحفلاته بذكاء، بدءاً من النوتات الموسيقية التي يكتبها إلى الكلمات إلى الأكسسوارات والأزياء الغريبة التي يرتديها وفرقته وقصّة الشعر والنظارات إلى ديكور المسرح والإضاءة. وهو اليوم يتابعه جمهور فرانكوفوني عريض حول العالم، فما سرّ هذا النجاح؟ يقول الشاب المتواضع الهادئ: «قد تكون حفلاتي المباشرة الاستعراضية المليئة بالحيوية التي أستمدها من الجمهور وتفاعله معي، إضافة إلى الكلمات الصادقة والموسيقى التي أمنحها كل وقتي والمتوازية مع شخصيتي». وراء هذه الشخصية القوية الفريدة التي أصبحت ماركة مسجلة في عالم الفن الفرنسي، وإلى ذاك الجسد الزيبق على الخشبة وعزف الغيتار الحيوي، يتمتع «M» الشاب الوسيم برهافة ورومانسية حالمة قلما تجدها عند مغني الروك والبوب. لكن ذلك قد يفسّر تلك النفحة التي تشعر بها عندما تسمع أغانيه التي تحمل عبقاً شرقياً محبباً. وهنا يشرح «M»: «هذه النفحة موجودة في جيناتي، وقد تكون قصائد جدتي أندريه التي أغنيها هي ما يمنح أعمالي شيئاً من الحزن والشاعرية. وعلى رغم أنني أغني الروك الذي يظهرني مليئاً بالطاقة، خصوصاً على المسرح، هناك جزء من شخصيتي هادئ يميل إلى الحزن»، كما يؤكد. ويضيف: «أفخر بنفسي عندما يشعر أحدهم بنفحة شرقية في أعمالي، فأنا فخور بأصولي الشرقية التي أعطتني إحساساً فريداً بالأشياء. ومع أنني لم أعش هنا إلا أن هذه الثقافة تجذبني وأشعر بمواطنيتي مع اللبنانيين». من أين يستوحي «M» الشرقي الهوى، نوتاته الموسيقية وكلمات أغانيه التي يكتب بعضها هو نفسه ويتقاسم بعضها الآخر مع جدته وأبيه؟ يجيب: «من الحياة اليومية وقصص الناس العاديين ورحلاتي. أنطلق دائماً من الواقع، وأحب أن أبدأ من التقليدي لأحوّل الفكرة إلى مختلفة غير تقليدية. فيجب أن نكون صادقين وحقيقيين لتصل كلماتنا إلى قلوب الناس ولا نكون كوسائل الإعلام التي تبالغ في نقلها الوقائع وبالتالي تخوّف الناس بدل أن تعطيهم المعلومات الصحيحة». فهو إذاً اجتماعي ويؤكد ذلك، شارحاً أنه حشري يحب الاحتكاك بالناس ومعرفة أفكارهم وما يتغيّر في حياتهم. «أنا حشري بالمعنى الإيجابي. حشري لمعرفة الآخر، أي إنسان آخر»، يقول. ويضيف: «هذا ما تعلمته من جدتي، كما تعلّمت منها الدهشة والحلم. فهي أثّرت كثيراً في شخصيتي». وماذا عن موسيقى الآخر هل تغريك؟ «طبعاً، أستمع إلى كل أنواع الموسيقى وأشكالها إجمالاً، لكنني مهتمّ بالموسيقى الأفريقية خصوصاً الآتية من مالي. وللأسف أستمع قليلاً إلى الموسيقى الشرقية لأنني لست ضليعاً بها. أحب الراي الجزائري الذي يؤديه فوديل والشاب خالد. ومن الطبيعي أن أحب الموسيقى الكلاسيكية لكونها أساس أي نوع موسيقي. كما أفضل أن أستمع إلى موسيقى جيمي بلاك الإلكترونية وفرقة الروك الشهيرة «Radiohead» وتوم يورك، ومغنية السول النيجيرية «Ayo» وغيرهم الكثير». «M» يعني السحر والحب والتخيل ألّف «M» ألبوماً كاملاً للفنان الشهير جوني هوليداي بعنوان «Jamais seul» في العام 2011، فكيف كانت هذه التجربة؟ يقول: «طلب مني هوليداي ذلك في العام 2010، لكنني رفضت لأن توجهاتنا الموسيقية متباعدة كلياً وأعماله شعبية كثيراً بالنسبة إليّ، لكن هوليداي أصرّ، فرضخت أخيراً لرغبته مع أنني لم أقتنع بما قدّمته. ولم يبع الألبوم أعداداً هائلة بالنسبة إلى فنان مشهور كهوليداي، وأعتقد أنني كنت على حقّ لأن جمهورنا مختلف أيضاً. لكنني لم أندم على التجربة وهو ألبوم ممتع بالنسبة إلي». ولماذا اختار ماتيو شديد اسم «M»؟ يشرح: «هو اسم فني يتوافق مع فانتازيا الشخصية التي رسمتها لنفسي. وعندما كنت صغيراً أنشأت فرقة موسيقية صغيرة أطلقنا وأصدقائي عليها اسم «M». وهو حرف لاتيني يقع في قلب الأبجدية الفرنسية، وهو يرمز إلى السحر والحب والحلم والتخيّل. وهو حرف اسمي الأول وأشعر أنه يجلب لي الحظ. ولا ننسى أنه الحرف الوحيد الذي يمكننا تمشيط شعرنا على شكله». لكن قصة شعرك وأزيائك تجعل بعضهم يقول إنك تقلّد ألفيس بريسلي؟ «أنا أحب هذا الفنان الأيقونة، لكنني لا أقلده أبداً، والموسيقى التي أؤديها وأكتبها بعيدة جداً عن موسيقاه». وهل تأثرت به؟ يقول: «نعم، ليس كثيراً على مقدار ما تأثرت بجيمي هاندريكس وبرينس وديفيد بووي وبيورغ. فأنا يجذبني الفنان الذي يتمتع بشخصية غريبة وفريدة وحالمة». لكن ذاك الحالم المجنون، صار عليه الآن أن يتوجّه إلى الغناء بالإنكليزية كي يوسّع قاعدة انتشاره في العالم الأنغلوفوني.