إن دوره الثقافي كان موضوع الأخوان رحباني في صورة غنائية "زرياب" (1956) شارك بها فيروز وكارم محمود، وقد جايلهما توفيق الباشا في نفس الفترة بصورتين غنائيتين عن شخصيتين ثقافيتين، هما الشاعران الأندلسيان "ابن زيدون" و"ابن خفاجة" شارك بها وداد وزكي ناصيف. وتحكي هذه الصورة الغنائية آداء بارعاً لصوت مغنية اسمها لمياء (فيروز) تتحاور مع صبايا عنه، وحين يلقاهم يتمنين بقاءه معهن غير أنه كثير الترحال، وعلل ذلك في المشهد الأخير من الصورة الغنائية، ونوردها لما لها من صلة في مقدمتنا هذه: "لمياء: ولمَ الترحال يا طائر دوماً؟ زرياب: إنني أرحل في إثر الأماني فإذا ما وقف المنشد يوماً صار مغموراً وخانته المعاني لمياء: ولمن تشدو وتروي وتغني؟ زرياب: للندامى للحيارى للحسان لقلوب تعرف الحب وتصغيه ولأجيال بأبعاد الزمان المجموعة: زرياب زرياب للأيام ذكراك سحرية الأحلام زرياب والغيد والأنسام تهواك يا رائع الأنغام والفجر مرماك والليل ملهاك زرياب زرياب للدهر ذكراك". يؤسس هنا لقيمته الفنية في ترحاله الطموح وطيه الأرض سفراً، وغنائه الحر للبشر (الندامى والحيارى والحسان) لكنه يشير إلى أنه يتوجه إلى "أجيال بأبعاد الزمان" فيعززها ختام المجموعة "زرياب زرياب للدهر ذكراك". هذه "الذاكرة الزريابية" مرهونة في أمرين: الترحال الطموح، وحرية الغناء. وهما يحيلان إلى الموقف الأخلاقي عند الأخوين رحباني وفيروز نفسها حين توجهوا نحو الغناء للإنسان والإله والوطن. * مقاطع فصل من كتاب جديد يصدر قريباً.