من يقلْ إن الرجل كائِن بصري وأن المرأة كائِن سمعي؛ يجب أن يقرأ كتاب "ألف ليلة وليلة".. والآن. لأن امرأة واحدة قلبت هذه النظرية تماماً. تلك المرأة التي كان اسمها شهرزاد؛ جعلت رجلاً كان يُعدِمُ كل يوم امرأة لأنه (رأى) زوجته تخونه مع أحد عبيده؛ (ينصت) لها. ينصت لها بكل تركيز، وبكل اهتمام، وبكل دهشة، وبفضول شديد،.. لأكثر من ألف ليلة متّصلة.. أنصت لها لأكثر من سنتين ونصف،.. أنصت لها، واكتشف في آخر الأمر أنه لم يعدمها، واكتشف أنه نسي الموت، وأنه نسي الخيانة وأنه نسي العذاب، ونسي الشكّ، والغضب، والكُره، والانتقام.. واكتشف أنه أنجب منها. هذا الرجل اكتشف بعد مرور أكثر من سنتين ونصف؛ أنه نسي زوجته الخائنة، ونسي عبدهُ الذي مارس معها الجنس، ونسي ضحاياه السابقات اللائي قطّع رؤوسهنّ واحدة تلو الأخرى، نسي القتل، نسي الدمّ النّافر من أعناقهنّ، نسي الرؤوس المتدحرجة تحت أقدامه.. نسي كل شيء.. كل شيء.. هذا الرجل ظلّ صامتاً لألف ليلة وأكثر؛ ليستمع لامرأة واحدة فقط. لم ينطق بكلمة واحدة أمامها، لم يتحدث لأحدٍ في غيابها، لم يستمع لأحدٍ في حضورها.. لم يفتح فمه إلا ليأكل، أو ليتثاءب. وأعتقد جازماً أنّه لم يقابل أيضاً أيّ أحد، ونسي مملكته كلّها حتّى تنتهي حكايات الستّ شهرزاد. لِمَ تفرّغ شهريار كل هذه الفترة الزمنية ليسمع حكايات ما قبل النّوم؟!. لأنه كان يعاشر امرأة دخلت قصره بخطّة بسيطة، بسيطة جداً، أبسط مما تتخيّلون: "أن تتكلّم".. نعم!.. دون توقّف. كيف استطاعت هذه المرأة أن تبقى على قيد الحياة كل هذه المدة دون أن يفكّر شهريار ولو للحظة أن يقطع رأسها.؟!.. ببساطة شديدة كانت تُنهي حكاية كل ليلة عند عقدة، ثمّ تحل العقدة في بداية الليلة الثانية. ثم تصنع عقدة أخرى قبل حلول الفجر، لتحلها في مساء اليوم التالي. وهكذا! هكذا كانت حياة هذا الرّجل -شهريار- لحوالي سنتين ونصف أو تزيد، مجموعة من العُقد تربطها تلك المرأة بمهارة فائقة، وتحلّها نفس المرأة في اليوم التالي بسهولة لا تُبارى. ألا ترون معي.. تلك هي حياة كل الرجال في كل الدنيا، وهذه هي قصّتهم مع أي امرأة عرفوها. المرأة الذكية هي التي لا تريح الرجل، لا ترمي ورقها كله مرّة واحدة، هي التي لا تحلّ كل عقد الرجل في ليلة واحدة، ولا تربطها في ليلة واحدة. هي التي تترك طرف الحبل للرجل عند عتبة القلب، حتى يثيره الفضول فيدخل، ثم تغلق القلب وراءه " بالضبّة والمفتاح". وكلما خرج، رمت له حبلا آخرَ جديداً.. كانت شهرزاد تعرف أنّ الرجال كالسّمكِ في الماء يسهل اصطيادهم بسنّارة تحمل طعماً واحداً، واحدا فقط دون غيره.. "الفُضول".! الرجل لا يطيق الارتباط الكامل، كما لا يجب أن تتركه المرأة حراً بشكل كامل، لذلك يجب أن تحتفظ المرأة بالكثير من الحِبال، وتتقن ربط الكثير من العُقَد.. نعم! هكذا فعلت شهرزاد. كانت كل ليلة تنسج خيوطاً متشابِكة من الحِكايات التي لا تنتهي، لينشغل شهريار كل ليلة في محاولة حلّها لسنتين ونصف، وعند العقدة الأخيرة.. عند العقدة الأخيرة تحديداً.. اكتشف أنّ طرف الحبل كان في يدّ شهرزاد طوال هذه المدة.. كانت تلك المرأة تعرف أن فضول الرجل سيغلب انتقامه، وأن حبه للنهايات المعلّقة، والمفتوحة، والمحيّرة، والغامضة، والمبهمة سيهزم حالة الملل التي يتميّز بها الرجل عن المرأة.. لذلك فإن الرجل الذي يملّ من علاقته بالمرأة بسرعة، هو رجل ارتبط بامرأة (لا تحلّ ولا تربط). إذا أردتم أن تعرفوا كيف تسيطر المرأة على الرّجل! يجب أن تجلسوا معي كل ليلة لتستمعوا إلى شهرزاد وهي تحكي وتحكي وتحكي. عندما تفتحون هذا الكِتاب ستخطفكم حالاً إحدى الجنّيات التي تسكنُ داخله، وتنقلكم للعالم الآخر: عالم السّحر، عالم الجن، عالم العفاريت، عالم العشق، عالم الملائكة، عالم الجنس، الخديعة، الدسيسة، الشعر، الموسيقى، العطر، الأغاني، الحُزن، الفرح، البُكاء، الخيال، القسوة، العنف، الدّم، الخمر، الحنان، الرقّة، الدهاء، الطيبة.. و.. الشّر، الشرّ المطلق.. والخير، الخير الذي يسود.. أو.. دعوني أختصر لكم هذا كله.. إلى عالم المرأة.