شرح المدافع الأسترالي جوناثان ماكين سر معاناة كرة القدم السعودية، وضعف تجربة احتراف اللاعب خارجيا، وانعدام البنية التحتية التي ينطلق منها الجميع الى حيث التقدم والتطوير والتواجد في موقف القوة وسلك مسار تسجيل درجات النجاح وتحقيق البطولات عن طريق الاندية والمنتخبات، وعكس صورة مهمة عن "الكرة الخضراء" وهو يتحدث للزميلة صحيفة الاقتصادية نقلا عن قناة فوكس عندما قال: "السعودية قدمت لأوروبا والعالم عددا قليلا جداً من اللاعبين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ولم تتمكن من تطوير البنية التحتية لكرة القدم ولم تستطع تهيئة اللاعب السعودي للعب في الخارج على الرغم من رفع الحظر عن الاحتراف في الخارج منتصف التسعينيات الميلادية، ولكن التجارب الاحترافية للسعوديين كانت قصيرة جداً وغير مثمرة و هو ما يدعو للاستغراب". بكل أسف هذا واقع الكرة لدينا ومن يتولى مهمة إدارتها وهو ما لم نعترف به ونوجد الحلول الكفيلة بالاستيقاظ من النوم على وسادة "اقوى دوري عربي" وتفادي المشكلة الكبيرة والواقع المؤلم، ولا يمكن أن نأتي بأكثر من جاء به ماكين الذي شخص العلة ووصف الدواء، ولكنه يجعلنا نجدد التساؤل (ماذا كان يعمل الاتحاد السعودي والاندية ويفعلونه طوال الاعوام ال20 الماضية التي واكبها اقرار نظام الاحتراف وتشكيل لجان وتوقيع العديد من الاتفاقيات في التدريب والتحكيم والمعسكرات وتغييرات في الاتحاد ووعود بنقل الرياضة من عصر التراجع والهواة الى عصر التقدم والاحتراف والخصخصة؟، اين نتائج الجولات المكوكية للدول المتقدمة التي سمعنا عنها ولم نشاهدها تنتج كرة قدم مؤهلة للمنافسة على صعيد الاندية والمنتخبات، مئات الملايين يضخها الاتحاد والاندية على المعسكرات والتعاقدات مع اللاعبين والمدربين منذ اعوام عديدة والنتيجة (محلك راوح)، فهل الرياضي السعودي أصبح كمن ينفخ في قربة مثقوبة، وأنه لا تقدم قيد انملة ولا تطوير على صعيد تلقين اللاعب أهم الدروس التي تساعده على فهم الاحتراف بعدما أصبحت ممارسة الكرة بمثابة المهنة وتأمين المستقبل وتطوير الذات ومنافسة اقوى الدول رياضيا؟. بكل أسف يسجل اللاعب السعودي شبلا وينتقل الى الفريق الأول ثم يضم المنتخبات في الفئات السنية، نهاية بالمنتخب الأول وهو هزيل في كل شيء، لم يجد تأسيسا صحيحا وتأهيلا مناسبا وتغذية سليمة وتدريبات تمكنه من تطوير مهاراته وقدراته والبروز مثل اقرانه في الدول الأخرى. ويبرهن ذلك قول ماكين: "اللاعبون السعوديون لديهم مشكلة واضحة فهم لا يرغبون في التعلم ويعيشون حياة مترفة للغاية وهذا ما يقتل الطموح لدى كثير منهم في لعب كرة قدم حقيقية على أعلى المستويات وتمثيل الأندية الكبيرة في أوروبا كريال مدريد وبرشلونة، يمكنني هنا أن أضرب مثالا و(الحديث له) على صحة ما أقول: حين ينتقل لاعب صغير في السن مثل يحيى الشهري لأحد الأندية في السعودية وهو النصر مقابل أكثر من 13 مليون دولار فهذا يعني أن سقف طموحاته الكروية للعب خارج البلاد سيتضاءل، الرواتب العالية التي يتقاضاها اللاعبون هناك والهدايا الفخمة تساهم في قلة التزامهم وضعف احترافيتهم في التعاطي مع كرة القدم كمهنة". هذا بكل أسف ما تفعله الاندية السعودية، اهتمت بفتح باب المزيدات واضعاف بعضها والفوز بالصفقات الاعلامية (طبعا الحديث ليس عن صفقة الشهري أنما بصورة عامة) ونست الجانب الاساسي وهو كيفية تأسيس وبناء اللاعب فكرا وممارسة وتدريبا ونوما وتغذية وتحديد هدف واضح وهو تطوير المستوى والتفكير جديا بالاحترف في الخارج، بدلا من التضخم في العقود وارهاق ميزانيات الاندية بالملايين، والنتيجة ديون متراكمة، وازمات تورثها كل ادارة للادارات التي تأتي بعدها لتضطر لتسول أعضاء الشرف، والغريب أن الكثير منها يوشك على اعلان افلاسه، ولكن يستمر في ابرام الصفقات مع مدربين ولاعبين محليين واجانب بعشرات الملايين، هذا عبث إداري ومالي والمشكلة أنه لا يخضع لأي رقابة مساءلة، يخضع للمزاج والاندفاع خلف العاطفة، في الوقت الذي يعاني اللاعب السعودي والكلام لماكين (من عدم الانتظام وزيادة نسبة الغياب أكثر فأكثر عند معاقبة اللاعبين أو الخصم من مرتباتهم، وحدث في أحد الأيام أن وجد في التدريبات ستة لاعبين فقط على الرغم من الخصومات التي تمت)، بمعنى ان العقوبات اشبه بعدمها لدى لاعب يعيش حياة ترف موقته. وهنا لابد أن نتساءل: لماذا هذه الزيادة في التسيّب؟ الجواب لأن الإداري نفسه في الاندية السعودية اولاً غير مؤهل ومحترف، والبعض منهم يعمل مثابة (خوي) لدى رئيس النادي، وثانيا يجامل عناصر ويضغط على عناصر أخرى، وربما يكون مستقبل استمراره او رحيله بيد لاعبين مؤثرين فيتهاون معهم ويغض الطرف عن تجاوزاتهم، ويكون دوره بالضغط على العناصر التي ليس لها ظهر قوي، وهنا يحدث التباين والانفلات بصورة أكبر من دون وجود نظام صارم يطبق على الجميع وينصف المُجّد ويقوّم المخطئ، ويؤسس لعمل صحيح ودائم. منظومة العمل الجماعي غائبة ويواصل المدافع الاسترالي حديثه على شكل تساؤل: السعودية بلد كبير ويمتلك الكثير من المواهب والطاقات وهناك العديد من اللاعبين الذي قدموا أنفسهم في آسيا بشكل مميز مثل سعيد العويران، وسامي الجابر سابقا، ياسرالقحطاني، ونايف هزازي حالياً، ولكن المواهب الفردية لا تجدي نفعاً في غياب منظومة العمل الجماعي المبني على أسس قوية من الانضباط والاحتراف، اللاعب السعودي يلعب في الغالب لنفسه ومن أجل الاستمتاع بهتافات الجماهير ولا يقبل التوجيه من زملائه الذين يفوقونه خبرة وتجربة، يريد ركل الكرة ومراوغة كل من يقابله دون تدريب أو تعلم، وحدث في أحد الأيام حين كنت العب للنصر أن قمت بتوجيه أحد اللاعبين الكبار في الفريق ممن تجاوز 30 عاما وفوجئت بردة فعله حين غضب مني وبكى من دون سبب مقنع، وحين سألت المترجم عن سبب بكاء اللاعب أجابني: إنه اعتبر توجيهي له بمثابة الإهانة في حقه وأنه لن يسامحني أبداً على فعلتي تلك". هنا يلخص لنا عددا من العيوب التي يعاني ولايزال يعاني منها اللاعب السعودي ولم نلفت لها او يشعر بها الاداريون والمعنيون في ادارة المنظومة الرياضية، فهو منذ نشأته - أي اللاعب- الكروية إلى أن يمثل المنتخب الأول وهو يسير على نظام واحد وسياسة واحدة وفكر لا يخلو من المجاملات مع قليل من التوجيه وكثرة السهر وغياب النظام الصارم في كل شيء، ينتعش مع هتافات الجماهير، ويهدر جهد فريقه وزملائه في سبيل الاحتفاظ بالكرة وعشق (التسحيبات) والاداء الفردي، متجاهلا أن هذه الطُرق ولت منذ فترة اعوام ولم يعد مجديا محاولة تجاوز اكبر عدد من لاعبي الخصم والانطلاق الى المرمى والتسجيل، هنا دور الأندية في العهد الجديد ان تؤسس نفسها من جديد، وأن تدرك خطورة الاستمرار على النظام البائد الذي يقودها ويقود الرياضة الى المزيد من الغياب والانزواء خلف جدار الفوضى. وعرج ماكين بحديثه على واحدة من معاناة الكرة السعودية تراجعها مؤكدا أن إقالة المدربين وإنهاء عقود اللاعبين بعد فترات قصيرة بشكل مستمر وعدم الاستقرار يعد أمرا مألوفا في السعودية وأحيانا تكون الإقالات من دون أي مسببات، ومن النادر أن يستقر أي مدرب على مقعد تدريب المنتخب السعودي. لم يعلم اللاعب الاسترالي أن اقالة المدرب او استمراره في السعودية اسرع لدى ادارات الاندية من كلمة (السلام عليكم)، لا يتحكم بها نتاج عمله وتقييمه بصورة صحيحة، انما ردة الفعل الجماهيرية والاعلامية وربما خسارة مباراة تنافسية (لا تودي ولا تجيب) تعصفه به وتجعله يغادر من الملعب مباشرة الى المطار، لماذا..؟ لأنه لايوجد في الاندية السعودية خبراء فنيين يقيمون عمل المدرب وفق تحاليل دقيقة ونتائج فنية مقنعة، لدينا لايريدون من المدرب صناعة لاعبين على المدى البعيد وتأسيس فكر للمواهب الشاشة، يبحثون عن الانتصارات الوقتية وهزيمة المنافسين بأي طريقة، هنا يعتبر المدرب ناجح، والمعضلة الكبرى توقيع العقود لفترة طويلة ومجرد الخسارة يطرد المدرب ويتسلم الشرط الجزائي وهكذا فتبقى الفرق حقل تجارب بعيدا عن الاستقرار الفني. ويقول ماكين في ختام حديثه: الاستقرار على المدربين واستثمار المواهب الشابة وتطويرها بشكل مدروس إلى جانب العمل بشكل مؤسساتي وباحترافية سيساعد الكرة السعودية على النهوض، ويعد الأمير عبدالله بن مساعد المسؤول الوحيد الذي يعمل باحترافية عالية وبنظام شديد أشبه بالنظام الأوروبي عندما كان مالكا لنادي شيفلد قبل تعيينه رئيسا عاما لرعاية الشباب. هذه الجزئية تجعلنا نتفاءل بوجود المسؤول الجديد لرعاية الشباب للقضاء على ظاهرة تخلف الكرة السعودية والبقاء بعيدا عن الاحتراف، الكرة السعودية تحتاج الى عمليات فصل معقدة تبعدها عن الفوضى وتأخذ بيدها الى عالم الدول المتقدمة رياضية فأهدار الملايين وضياع الوقت حان له أن ينتهي وأن تنعم الرياضة السعودية بالمزيد من الخطط الطموحة والعمل المؤسساتي المتقن وهذا ما نأمله في العهد الشبابي والرياضي الجديد!