عندما نكون في حال مستقرة وفجأة نسمع صوتا مزعجا فإننا نشعر بقلق وتوتر، لكن عندما يتضح لنا المصدر والسبب فإن نسبة القلق تقل نوعا ما، حتى وإن لم نتمكن من معالجة الوضع. وفي مواقف الحياة المختلفة قد ننزعج إثر امر مفاجئ إلا أنه من الممكن التخفيف من هذا الشعور إذا اكتشف مصدره وسببه. إن من أهم مظاهر التكيف المناسب القدرة على اجتياز الصعوبات، وما من أحد يخلو من التعثرات والصعوبات التي تواجهه أثناء مسيرة حياته. ويتفق علماء النفس على أن التكيف الفاعل يتمثل في مجموعة الاستجابات وردود الأفعال التي يعدل بها الفرد سلوكه وتكوينه النفسي أو البيئة المحيطة بشكل متوافق، ليصل إلى مرحلة إشباع حاجاته وتلبية متطلباته لينعم بالاستقرار والانسجام المنشود والشعور بالرضا. ومن الإيجابية أن يسعى الإنسان لحل مشكلاته والتغلب على المصادر المزعجة التي تعترضه وذلك حفاظاً على قدر جيد من الصحة النفسية التي يجب أن يتمتع بها كل أحد لما لها من أهمية كبيرة في إعانة الفرد على تأدية مهامه وتمثيل أدواره على جميع الأصعدة بأسلوب متوافق. إن احساس الإنسان بوجود مشكلة ما وتقبله لذاته ولوجود هذه المشكلة في حياته هي الخطوة الأولى لحلها وإن كان هذا الأمر شاقا في بعض الحالات، ويظهر ذلك جلياً لدى بعض الأشخاص الذين اكتشفوا إصابتهم بأمراض صعبة خاصة إذا كان مدعوما بتصورات تشير إلى نسبة ضعيفة في الشفاء، حيث تبدأ مظاهر عدم التقبل للوضع الجديد وعدم تقبل البرامج العلاجية أو قد تصل إلى إنكار وجود المرض لا شعورياً مما يعيق فرصة العلاج، إلا أن قوة الإيمان بالله واليقين المطلق بأن كل أمر المؤمن خير كما اخبرنا رسول البشرية عليه الصلاة والسلام حينما قال: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيراً له، وإن إصابته ضرّاء صبر، فكان خيراً له. رواه مسلم. فالحمد لله على نعمة الإيمان، إن هذه القناعة الواردة في الحديث الشريف لا شك خير معين على التقبل والتكيف الذي يزيد من فاعلية الاستجابة للعلاج وتقدم الحالة لأحسن وضع ممكن والحقيقة أنه لا يمكن تجاوز هذه المرحلة لتخطي الصعوبات المعترضة وهي بمثابة فهم الفرد لذاته وأبعاد مشكلته واقتناعه بوجودها، وهذا لا يتنافى مطلقاً مع السعي الدؤوب لافتراض الحلول واختبارها واختيار أفضل البدائل تحسباً للعواقب الحميدة. ولنا ملامسة ذلك أيضاً على الصعيد التربوي فيما يحدث خلال العملية التعليمية، عندما يلاحظ المعلم ضعف التفاعل والمشاركة الصفية عند التلاميذ فإن في إحساسه بوجود صعوبة ما وتقبله لها والعزم على السيطرة عليها وتجاوزها باستبصاره لإبعادها ودراسة جوانبها والاستعانة بذوي الخبرة في المجال من معلمين ومشرفين متمرسين كل ذلك من شأنه أن يساعد المعلم على اختيار أفضل البدائل ومن المهم البحث عن الجانب الإيجابي في الموضوع المشكل أو الصعوبة المواجهة حيث يتيح فرصة التغذية الراجعة لأسلوبه المتبع في التدريس إما بالتغيير أو الحذف أو الإضافة.. بما يحقق رفع مستوى الأداء إلى افضل ما يمكن وهكذا في جميع جوانب الحياة، فمما يساعد الإنسان للتكيف مع الصدمات والصعوبات بعد الاستعانة بالله عز وجل التقبل وتفهم أبعاد المشكلة بقدر جيد من الحكمة وتحجيمها بدلاً من تهويلها وكذلك عدم إهمالها واستشارة ذوي الخبرة والمتخصصين والاطلاع على الجديد من الكتب والمؤلفات في موضوع المجال. والاستفادة من الخبرات المتعددة الناجحة في المواقف المتنوعة بالحرص على مخالطة الايجابيين من الناس وتدريب النفس على الاستبصار الحذق والتأمل الفطن والرؤية الأفقية لجميع جوانب الموضوع السلبي متفطناً لاستغلال الجانب الإيجابي فيه وإضافته لرصيد الخبرات المعينة لتخطي تجربة التكيف وحل المشكلات بأفضل نتائج وأقل خسائر ممكنة.