الأستاذ سعد الحميدين مثقف، حفر ثقافته في ديوان الأدب السعودي. شاعراً وراصداً حركة الثقافة الفنية الإبداعية بإشرافه على ثقافة جريدة "الرياض" لمدة لم تكن قصيرة في عمر الزمن الثقافي. هذا إذا أخذنا مفهوم المثقف بالذي يأخذ من كل علم بطرف. وأحللنا هذا محل مقولة (الأديب من أخذ من كل علم بطرف). فقد قدّم جهداً وفيراً للثقافة العربية استحق أن يشكر عليه. ولما بلغني عزم مريدي الأستاذ سعد الحميدين صناعة ملف تحية بمناسبة انتهاء إشرافه على ثقافة "الرياض" سألت الله سبحانه وتعالى بدعاء صادق أن يجزيه بما قدم للثقافة خير الجزاء، وأن يستمر في عطائه، من منبر ثقافة "الرياض" أو من غيره من منابر الثقافة. فهو صوت أحب سماعه. وقد كنت مترددا في موضوع التحية لسعد الذي كان يعرف كيف تورد الإبل. هل أحييه من خلال شعره وهو الأبرز من ثقافته الأدبية، أو حول أدبياته من غير الشعر؟. لكن المناسبة استدعت دون طول تفكير ديوان (رسوم على الحائط) هذا الديوان الذي سجل حضوراً شعرياً في حركة الشعر العربي في المملكة الذي أخذت قصائده تطالع القراء منذ ما يقرب من خمسين عاماً. وقد اختط لقضاياه الشعرية وتشكيلاتها اللغوية خطة الباحث عن تأصيل شيء له مثال واضح في بعض أدبيات الشعر العربي. وليس له معالم ذات أثر في منتج الشباب التواقين إلى البحث عن الجديد، وأن التجديد مسؤولية الأجيال الجديدة. إذ يحسب التجديد لهم أو عليهم. لهم إن أحسنوا وعليهم إن جنحوا إلى غير الإحسان. ومن المسلّم به أن رموز تحيل إلى مدلولاتها بقوانين اللغة من نقد ونحو وصرف وبلاغة ومتعلقات هذه العلوم الاستدلالية من موسيقى، ومنطق، ومن كل ما له علاقة بالتشكيل الأدائي؛ لتوثيق علاقة النص بالمبدع، والمخاطَب. وقد داخل الشعراء الشباب المجددون شيء من الإحساس أن الشاعر غير موكول ببيانية شعره . وعلى المخاطب أن يترقى إلى فهم لغة المبدع، وهذا من مؤثرات الجدل السوفسطائي الذي يعرف الحقيقة، ويتعمد تجاهلها. ويبدو لي أن إغماض التجربة الشعرية الجديدة ليس مرده فهم المبدع، وإفهام المخاطب، بل مرده النظر إلى أن الشعر الجديد يحمل بذور الثورة. والثورات تقوم على الدعوات الحرّة المتمردة على الواقع الحقيقي للوصول إلى واقع متصور دونه خرط القتاد في نظر الشباب الجديد ؛ لذلك كان اللجوء إلى محاولة فك الرموز المستغلقة بطرائق استحداث مصاحبة الرسوم، والأشكال الجمالية للقصائد للإسهام في تسهيل عملية التوصيل إذا استغلق بها الإيحاء. وقد استعمل سعد الحميدين في ديوان (رسوم على الحائط) هذه الطريقة ؛ رغبة في إيصاله صوته الجديد. ونحن في تقديم واجب التحية لسنا معنيين أن نثقل على ملف التحية بشيء من الدرس لهذا الديوان أو لغيره من شعر سعد الحميدين وقد أحسن الأستاذ الحميدين صنعاً حين ذيّل طبعة الديوان الثانية ببعض الانطباعات الناقدة حول شعره من غير واحد من أصحاب الكلمة الأدبية. أتطلع إلى أن تأخذ تجربة الشعراء الجدد في المملكة العربية السعودية فرصة إظهار تجربتهم الشعرية في صورتها الصحيحة فهي تجربة تستحق الدراسة والتقويم. وأثمن للقائمين على إخراج ملف تكريم الأستاذ سعد الحميدين إشادتهم بهذا الأديب النابه, وأن نسهم في هذا التكريم.