تشكيل الوعي من الأمور التي عولجت اجتماعياً وإعلامياً وفلسفياً، إذ ان المؤثرات في صياغة المفاهيم تأتي من العديد من القنوات سواء كان كتاباً أو مسرحية أو مقالاً أو بحثاً، أو مسلسلات تلفزيونية، والأخيرة تحظى بأكبر كم من المشاهدين لأن تقديمها سهل لقطاعات كبيرة من كل الأعمار تستطيع الوصول إليهم في أي مكان.. مسلسلات رمضان الماضي، كالعادة، خسائر مادية هائلة لأعمال هابطة وحتى العمل التجاري الناجح ابتعد بأن يكون قيمة مقابلة لذلك الإنتاج، والموضوع لا يعزى لندرة النص وكاتبه، ولا نجاح بعض الممثلين والمخرجين المحليين، وإنما للخيارات التي يجيزها غير متخصصين لدرجة أنك تشعر أن تقييم العمل تدخل فيه المحاباة دون النظر لرد الفعل عند المشاهد، والذي استهان بوعيه مَنْ خططَ ونفّذ تلك المسلسلات. الاعتقاد أن الشاب بعيد عن رؤية الأعمال الخارجية غير صحيح، فالوسائل التقنية الجديدة سهلت رؤية أفلام ومسلسلات أجنبية وعربية، حتى أن بروز المسلسلات التركية ونجاحها عن غيرها العربية، بيّن ضعف تلك المسلسلات، والغريب أن «طاش ما طاش» على ما فيه من ثغرات يعد الأفضل خلال العقود الماضية لأنه تجرأ على ما يعتبر محرّماً في النقد الاجتماعي، والذي جاء بعده جعل المشاهد يتحسر على إيقافه. الدراما السياسية من الأعمال المهمة في إشاعة الوعي، لأنها تحليل لواقع معقد وأحياناً كارثي إذا أصبح الحدث السائد حرباً وخاصة في وطننا العربي، والمأساة أنه رغم ما يحيط بنا من مخاطر الإرهاب والتحولات التي صاحبت الربيع العربي ثم اتخاذ الدين الإسلامي وسيلة مغرية لتبني مواقف وأفعال أصبحت تهدد المجتمعات لا نرى أي عمل صاحب هذه المرحلة لدرجة أن حادثة «جهيمان» مثلاً وهي الصياغة الأولى للتطرف، وما لحق ذلك من تسارع لنمو الإرهاب، لا نجد من فكر في بناء عمل درامي موضوعي يطرح أبعاد هذه القضايا، بينما في أمريكا مثلاً خرجت عشرات الأعمال والتحليلات عن أحداث 11 سبتمبر، وهي ليست من أبواب المحرمات أن تقوم مؤسسة محلية أو عربية بكتابة نص يكشف ملابسات وظروف انجذاب الشباب لمعسكرات الإرهاب وتسليط الأضواء عليها كهمّ يومي تعانيه الأسرة والمجتمع والأمن الوطني برمته. الأمر الأهم إدراك أن المفاهيم عند الجيل الراهن مختلفة عن غيرها وأن القبول لعمل فني تمثيلي يخضع لقدرته على التأثير وليس الإضحاك الساذج لحركات الممثل، أو طرحه بعض النكات والقفشات الخالية من أي معنى يربط العمل بقيمته العليا الفنية، وهذا سبب ما جعل مسلسلات رمضان الماضي دون مستوى أي نشاط آخر قامت به دول عربية أخرى. القنوات الفضائية المنتجة للدراما، أو المشترية لها، تذهب إلى قيمة الممثل على الدور الذي سيؤديه، وهي مشكلة صعّبت من نجاح العمل، ولذلك سقط كثيرون رغم أنهم نجوم، وحتى العمل «الكوميدي» ظل يكرر نفسه دون خلق عمل متطور، ولعل هذه الهزات تعيد للعاملين بهذه الحقول احترام المشاهد باعتباره الناقد والمقيّم بالقبول والرفض.