لعل يوم العيد من أكثر أيام السنة بهجة وفرحة واستشعارا للسعادة في مجتمعنا على سبيل العموم، ويتأكد هذا في أيام الأمس حيث القناعة والبساطة وحيث يرضى الكل ولو بالقليل، ونتمنى أن تبقى السعادة دائما، وتستشعر الفرحة بالتأكيد لأنه يوم يعقب نهاية عبادة، والقيام بطاعة والفراغ منها على أتم وجه، فيوم العيد يأتي بعد شهر الصوم أو بعد أداء نسك الحج، وهذه في حد ذاتها بهجة المسلم ومقصده بل هدف وجوده في هذه الحياة. فالصائم له فرحة عند تمام شهره وفراغه من صومه على أتم وجه، بل كل طاعة ترتسم على المطيع وتشعره بأنه يسير في الاتجاه الصحيح، وهذه قمة سعادته في هذه الحياة، وما ينتظره عند ربه أشمل وأعم. ويتم الحرص في يوم العيد على التواصل والتزاور والسلام على القريب والجار والمعارف من منطلق ديني أولا، ثم من باب تجديد التعارف وتفريغ النفوس مما علق بها طيلة ايام العام، وما أكثر الشوائب جراء التعامل والتلاقي وسماع القيل والقال. وإذا كان هذا التواصل والسلام مطلوبا طيلة أيام السنة دينا وعرفا وعقلا وعادة حسنة منطلقة من مبادئنا، إلا أن بعض الناس قد يكون منقطعا منشغلا وربما ينطبق عليه المفهوم الذي لا نريده لأحد (قاطعاً) ومع هذا فإن يوم العيد يجدد كل فرد ما بلي من مسلكه ويعيد نفسه للصواب وأول ذلك السعي في التواصل والسلام، ولهذا يقولون في سلام العيد سلام القاطع. يعني أنه لا يتركه حتى القاطع الذي انقطع عن التواصل طيلة أيام السنة، وليس معناه أن الذي يسلم يوم العيد قاطعاً، بل إنه تأكيد على أن العيد لا يترك التواصل فيه ولا القاطع الذي كان لا يهتم بالآخرين في الأيام العادية. وهذا تنبيه لأهمية ذلك. وعرف المجتمع قدر يوم العيد وأهميته وحافظ عليه وعلى عادات حسنة تكون فيه، وابتهج في ليلته ونهاره، وإن لم يقدر بعضهم على ذلك تصنع البهجة أيضا وعمل على أن يشارك مجتمعه فرحته. وللمجتمع المسلم عيدان وهما عيدين مشروعين وليسا مظهرين اجتماعيين مبتدع، ولكن المجتمعات الأخرى لها أعياد تعد ظواهر اجتماعية مما يعطي دلالة على حاجة الإنسان إلى عيد يبتهج فيه ويشكر. وليلة العيد في القرى والبلدان بالأمس واليوم تلبس ثوباً مختلفاً، وفيها من الاستعداد والاهتمام ما يجعل الحركة تدب فيها حتى الصباح فتبقى مستيقظة. وكانت النساء في مثل هذه الليلة وما قبلها أيضا تسميها ليلة الحناء، حيث تتزين النساء قديما بالحناء تضعه في راحة اليد أو تنقش به كفوفهن، أو بعض شعرهن. وقالوا في الأمثال: تعبر بأم شوشه، لين تجيك المنقوشة ويقصدون بأم شوشة المرأة التي لم تتزين ولم تسرح شعرها بما يناسب العيد. أما المنقوشة فهي التي تزينت ونقشت كفوفها بالحناء، كناية عن جمال الأخرى. وقد كان بعض زواجات الأمس تتم في عجالة أو في ليلة العيد أو من دون استعداد مسبق لا من الزوج ولا من الزوجة، لأنهم كانوا بسطاء جدا. ومن أجمل ما في العيد أن يكون الجميع يتشاركون الفرحة بلقاء بعضهم لا بمظاهر متصنعة ولا مستعارة، فكان عيد الأمس له بهجته التي لا تنسى. ففي ليلة العيد الكل يترقب خبره متوقعين أن يكون يوم غد هو يوم العيد من خلال الحساب ومن خلال تحريه وترائي الهلال، ولكنهم ينتظرون خبرا يأتيهم من الحاكم. حيث لا مواصلات سريعة ولا طرق معبدة ولا إذاعة ولا تلفزيون، وفي الغالب يتأخر الخبر إلى منتصف الليل أو قبل الفجر في غالبية البلدان أو يكون في اليوم التالي ومع هذا التأخر يبقى الانتظار له وقعه وللترقب فرحته يكملها تجمع أهل البلدة في حديث مشترك. ويغادر النوم عيون جل أهل البلدة إلا بعضهم من كبار السن أو المجهدين من عمل يومهم في زراعتهم أو إطعام مواشيهم وما إلى ذلك من الأعمال التي تجبرهم على الراحة في هذه الليل ولو كانت مناسبتها فريدة. وعندما يأتي خبر العيد تبدأ حركة أخرى، هي في الواقع حركة إعلامية يقوم بها الشباب والأطفال في فرحة بمثل هذا الإعلان يأذن لهم بهذا الإعلام أمير البلد، يضربون على دف أو تنكة فارغة أي شيء يحدث صوتاً ينبه من بداخل الدور، مرددين عبارة "تراه عيد" مثلما رددوا في أول الشهر وبنفس الكيفية عبارة "تراه صيام". وتجوب هذه الفرقة الطرقات وتطرق الأبواب على النيام وويسمعون المستيقظين تخبرهم أن غدا هو يوم عيد. وهذا يعني أن الليل سيبقى أهله يجهزون أشياء كثيرة وينتظرون الصباح فهناك من يتمم زواجه، وهناك من يتفقد ثيابه ومنهم من يتفقد لوازم العيد وطعام العيد وما يمكن أن يضاف له، فإن كان هناك ما ينقص أهل البيت استعاروه من جيرانهم. كما أن غالبية الطعام المقدم فيما مضى هو من الجريش، وهذا الطعام يحتاج إلى طبخ لا يقل عن ثلاث ساعات على نار هادئة، ولا يوجد مطاعم ولا طباخ فكل أهل بيت يطبخون أطعمتهم بأنفسهم. وبالتالي فإن الطبخ يبدأ من قبل صلاة الصبح بساعة أو أكثر لكي يكون جاهزا مع طلوع الشمس، ولكي تتمكن المرأة أيضا من إطعام بعض جيرانها أو قريباتها، تذيقهم عيدها لتفخر بمهارتها في طبخه ولمزيد من التواصل. وأبرز معالم العيد يأتي في أول النهار حيث يقدم الطعام الذي يسمى "عيد" يقدم على فرش توضع في الطريق بعد تأدية صلاة العيد، وهو طعام يقدم للجميع من أهل الحي والمار في طريقهم والزائر لبلدهم وعابر السبيل، والهدف من وضعه في الطريق وأمام المار والزائر واضح وهو أن يسعد الجميع في هذا اليوم فلا يبق جائع فيدخل الفقير والمحتاج ضمن المجموعة ويكون أدعى لعدم التمايز أو التفريق بين أحد، كما أنه يعد من الصدقة فتجتمع الأيدي بمختلف مستويات أصحابها على طعام واحد فتتآلف القلوب وتتقارب النفوس وتزول الضغائن ويشعر الكل باللحمة الواحدة. وكل أهل حي أو مجموعة منازل يختارون أيسر مكان فيتخذونه مجلساً يقدمون فيه طعامهم، وذلك تيسيرا عليهم من نقل صحون الأكل مسافات وفي الغالب يقتربون من مسجد الحي أو مكان متسع يناسب تجمعهم. وللأطفال فرحتهم بيوم العيد وكذلك النساء ويبدأ التزاور في أول النهار وآخره على حد سواء بحسب ظروف كل عائلة وأقاربهم وجيرانهم. ولم يكن هناك فيما مضى احتفال عام منظم ولكن قد تقوم بعض البلدان بإعلان فرحتهم فيقيمون نهاية يوم العيد حفلا فيه من البساطة الشيء الكثير كما أنه لا يرصد له ميزانية مالية ولا أي مبلغ، والقرار فيه صادر من المجتمع نفسه ورغبة في الفرح، ويتضمن قصائد يقوم بها أهل البلد أنفسهم دون أن يكون هناك استئجار فرقة من خارج بلدهم أو شعراء من غيرهم بل إن هذا الأسلوب وأعني به استئجار الفرق غير وارد أصلا. وكذلك النساء قد يجتمع بعضهن في منزل يفرحن بالسلام على بعضهن وينشدن بعض الأشعار. ولكن كل هذه المظاهر الاجتماعية الاحتفالية البسيطة تقلصت إلى حد كبير حتى وصلت إلى التلاشي، وبدأت البلدان تقيم حفلات منظمة يرصد لها مبالغ كبيرة مع أن المضمون هو نفسه. وقبل الختام نعرج على الشعور والإحساس الذي بدأ يذبل مع تعقيدات الحياة وبدأت البساطة تنحسر حتى فقد يوم العيد شيئا كثيرا من فرحته وبهجته، وسلبت روحه، ولم يكن له ذاك المذاق المصاحب لانتظاره ومعايشته وقضاء ساعاته، رغم امتلاك كثيرين لكل مقومات الفرحة من ثياب جديدة ونقود كثيرة ونعم وفيرة ومساكن واسعة. ذلك لأننا كلما ابتعدنا عن البساطة في تعاملنا وعلاقاتنا واستهلاكنا ازددنا بعدا عن سعادتنا وفرحتنا، واقتربنا من التكلف الذي يعد من ألد أعداء الهناء والسعادة. وصدق الشاعر وتحيتي له حيث يقول: العيد ما يحتاج له كثرة هدوم يحتاج له وصل وسلام وموده عايد بني عمك وخصص لهم يوم وباب الزعل والكره والبغض سده وزور الذي ما يقدر يصوم ويقوم الشايب اللي هده الكبر هده وزور المريض اللي جفت عينه النوم اللي قضى عمره طريح المخده وجميع مسلم عيّد وتمّم الصوم اضحك بوجهه وصافح وحب خده