الحديث عن مافيا الدواء وشركات الاحتكار الدوائي وتأثير تطبيق اتفاقيات التجارة العالمية وحقوق الملكية الفكرية على أسعار الدواء في الدول التي لا تنتجه ولا تكتشفه.. يبدو مبالغاً فيه.. وهو وصف سمعته مرات عديدة ومع كل حديث يدور حول هذه القضية.. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى حالة الهدوء الشديد الذي تتعامل به الأجهزة المعنية بالصحة في مجتمعاتنا العربية وفي الدول النامية بشكل عام.. ولكن الأحداث التي تجري حولنا تؤكد كل يوم خطورة المشكلة وأهمية الاستعداد للواقع الدوائي الجديد من الآن.. ما دمنا لم نستعد من قبل. تعالوا نقرأ معاً هذا التقرير الإخباري الذي بثته وكالات الأنباء قبل شهور.. يشير التقرير في البداية إلى تعرض شركات الإنتاج الدوائي العالمية لانتقادات حادة من الكثير من الجهات التي تتهمها بالبحث عن الربح بالدرجة الأولى. وانضمت إلى حملة الانتقادات الموجهة لهذه الشركات وزيرة بريطانية عندما أعلنت أن شركات الأدوية فشلت في الاستثمار في الأدوية التي تعالج أمراض الفقراء، وقالت ان المزيد من الأدوية واللقاحات مطلوب بشكل عاجل لمعالجة أمراض الملاريا والدرن والايدز.. والتي تقتل الملايين في دول العالم النامي.. وقالت أيضاً: اننا نعيش في عالم يتميز بالاكتشافات التقنية التي يمكن أن تجلب المنافع الهائلة للبشرية.. لكن الحقيقة مختلفة تماماً.. إذ أن معظم الجهود تستهدف الأمراض التي يعاني منها العالم الصناعي. الوزيرة البريطانية قالت إن الرغبة في تحقيق الأرباح من الاستثمارات وبناء أسواق كبيرة للمنتجات جعلت الشركات الرئيسة للإنتاج الدوائي تميل إلى تجاهل الأمراض التي تنتشر في الدول الفقيرة وإن 10 في المائة فقط من الأموال مخصصة للأبحاث المتعلقة بالأمراض التي تؤثر على 90 في المائة من الفقراء في العالم.. وقالت أيضاً انه كان مؤملاً من العولمة التي أوجدت شراكات عالمية كبيرة أن تحفز الاستثمارات في صناعة الأدوية واللقاحات لمعالجة الأمراض الرئيسة التي تنتشر في دول العالم الثالث. التقرير الإخباري طويل وحافل بالحقائق المؤلمة والصور المفزعة ومنها على سبيل المثال لا الحصر ان الملاريا تقتل مليون شخص كل عام جميعهم من الدول الفقيرة خاصة دول افريقيا، وان الدرن يقتل مليوني شخص والإيدز يقتل مليونين و500 ألف شخص سنوياً وأن معظم هؤلاء الضحايا من الدول غير القادرة على توفير العلاج لمرضاها رغم توفره لأن أسعاره مرتفعة ولأن أي محاولة لإنتاجه بأسعار رخيصة مرفوضة ولأن الشعار الاحتكاري الدوائي هو العلاج والشفاء والحياة لمن يدفع ولأن سيف الملاحقة والمقاطعة التجارية والحصار الاقتصادي مسلط على رقاب كل من يتمرد على هذا الاحتكار غير العادل وهذا الواقع غير الإنساني. البرازيل دخلت المعركة مبكراً وأصبحت معرضة لملاحقات قضائية من قبل واحدة من أكبر شركات الأدوية العالمية كما أصبحت مهددة بحصار اقتصادي بموجب قوانين منظمة التجارة العالمية لقيامها بإنتاج نسخ رخيصة من الأدوية لإنقاذ مرضاها ولأن مصنعي الدواء وموزعيه في البرازيل يقومون بإعطاء أدوية الايدز للمصابين بهذا المرض مجاناً وهي جريمة لا تغتفر حتى ولو كان العائد من وراء ارتكابها انخفاض معدلات الوفاة بالمرض في هذا البلد الموبوء بنسبة 50 في المائة. فعلاً هذا الموضوع يظهر الوجه القبيح للعولمة وأن الميزان يميل بقوة لصالح الشركات وأرباحها على حساب ضرورات ومتطلبات الصحة العامة.