ما أن تقترب الإجازات إلاّ ونهب جميعاً للبحث عن رحلة تنقلنا إلى وجهتنا متأملين أن نجد المقاعد التي نريد وبالسعر الذي نرغب؛ لتنزل المفاجأة علينا كالصاعقة، ونكتشف في كل مرة نواجه مثل هذا الموقف أنه لا حجز ولا مقعد شاغر على أي من الرحلات طوال مدة إجازتنا، لنعود بخفي حنين، وتبدأ بعدها مرحلة الاستعانة بصديق طلباً للفزعة في تأمين حجز لوجهتنا السياحية، وحيث لا منجد مع إقفال الرحلات ولا ملاذ إلاّ افتراش ساحات المطارات طمعاً في تأخر راكب أو إلغاء لحجوزات في اللحظات الأخيرة؛ ولأن التخطيط أولوية متأخرة في حياتنا فإننا نصحو متأخرين لتتكرر أزماتنا مع كل موسم إجازة. ويعود سلوك البحث عن الحجوزات في اللحظات الأخيرة إلى التنشئة وعدم التعود على ترتيب الأولويات، وكذلك افتقاد التخطيط، مما يتطلب مراجعة أسلوب الحياة، وتحديد الالتزامات، والبدء بالأهم حتى لو امتد التخطيط لعدة أشهر، حتى لا يجد الفرد نفسه واقعاً بين تكاليف تذاكر السفر، وكذلك البحث عن حجز يتناسب مع الموعد المفاجئ للسفر. ثقافة مجتمعية وقال "علي القحطاني": إن مشاكل الحجز خصوصية سعودية، بفضل ناقلنا الوطني الخطوط السعودية، مُصراً على تحميلها مسؤولية عدم توفر الحجوزات، مطالباً بإلقاء نظرة على جداول الرحلات لأي خطوط مجاورة والإفادة من نجاحاتها، مشيراً إلى أنه من خلال تعامله مع إحدى الخطوط الأجنبية لم يصادف يوماً أن بحث عن رحلة داخلية بين المدن إلاّ ووجد خيارات متعددة وبأسعار جيدة، وهذا ينسف إدعاءات الخطوط السعودية، ويكشف عجزهم عن تأمين العدد الكافي من الطائرات التي تتناسب والكثافة السكانية في المملكة، وكذلك عدم توفر بدائل أمام المواطنين، خاصةً في الرحلات الداخلية واضطرارهم للسفر إلى المدن الرئيسة لاستخدام الطيران الأجنبي، مؤكداً على أنه لا نستطيع أن نخطط في ظل ثقافة مجتمعية مازالت لا تعترف بالتخطيط في التزاماتها ومواعيد مناسباتها، مستشهداً بتلقيه أكثر من (10) دعوات في الأسبوع الأخير من رمضان لحضور زفاف أقارب وأصدقاء ستقام خلال النصف الأول من شوال بدءاً من ثالث العيد، ويرى أنه لو كان لديه حجوزات مبكرة لخسر الكثير؛ لأنه سيكون مضطراً لإلغائها، نتيجة عدم استطاعته التخلف عن حضور تلك المناسبات. تخطيط غائب وأوضح "محمد قطب" أن التخطيط أساسي في حياتنا خاصةً في السفر، مستغرباً من المواطنين الذين يصحون فجأة قبل السفر بأيام بحثاً عن حجز، وتجدهم يتخبطون ويتذمرون ويبحثون عن المنقذ، في حين لو كلفوا أنفسهم القليل من الجهد وعملوا حجوزاتهم مبكراً لأراحوا واستراحوا، مبيناً أن خسارة المواطن متى ما استجدت ظروف طارئة استدعت إلغاء سفره لن تكون بمستوى خسائره حين لا يتمكن من تأمين حجز وتضيع إجازته، أو يتحمل أسعاراً تصل إلى ضعف الأسعار العادية، لافتاً إلى مستوى الوعي لدى شريحة كبيرة من المواطنين، مُستدلاً على ذلك بالتخطيط المسبق للسفر لدى الكثير، والذي يلمسه في أقاربه وأصدقائه، في عملهم حجوزات مبكرة تعفيهم من الإحراج وتضمن لهم سفراً دون منغصات. واتفق "قطب" و"القحطاني" على وجود طلب عال على رحلات الطيران، معولين على الشركات الجديدة التي ينتظر دخولها السوق الداخلي لتسهم في حل مشكلة الطيران الداخلي الذي يعاني من ضغط كبير في غالب الأوقات، ولا يتيسر الحصول على حجز إلاّ في النادر. معاناة الإجازات وكشف "مجدي مندورة" -مدير السياحة في إحدى وكالات السفر- عن معاناتهم في الأيام التي تسبق الإجازات وانشغال جوالاتهم على مدار الساعة بالاتصالات المتكررة التي تطلب تأمين مقعد دون النظر للسعر، مضيفاً أنه تجد الكثير من المواطنين في تلك الفترة لاهم له إلاّ التردد على المكاتب السياحية ووكالات السفر بحثاً عن مقعد بعد أن عجز أن تأمينه من خلال "الانترنت"، مبيناً أن الطلب على السفر في تزايد خاصةً الأشهر الثلاثة يونيو ويوليو وأغسطس، والتي تزيد فيها أسعار التذاكر لتصل إلى الضعف أحياناً، منوهاً إلى أن التخطيط المسبق للسفر يخفض التكاليف إلى النصف على الأقل سواء على مستوى التذاكر أو الفنادق والتنقلات، مُشيداً بخطوات كثير من الأسر السعودية التي أصبحت تخطط للسفر من فترات مبكرة تصل إلى العام أحياناً، وهذا يمكنها من الإفادة من العروض التي تقدمها شركات الطيران للحجوزات المبكرة كذلك الفنادق والمنتجعات. وأضاف: يمكن تجنب الثمن الباهظ والكبير الذي يدفعه المواطن لو بادر بالحجز مبكراً، مؤكداً على وجود ضغط كبير على حجوزات الطيران خاصة الداخلي، ذاكراً أن حجوزات آخر الأسبوع تواجه ضغطاً كبيراً حتى مع تكثيف الرحلات ووجود طيران "ناس" إلاّ أن الطلب يفوق العرض. مأزق الوقت وأرجع "عبدالإله الزهراني" -خبير ومستشار تربوي- سلوك اللحظات الأخيرة إلى التنشئة وعدم التعود على ترتيب الأولويات، وافتقاد التخطيط في حياتنا، مضيفاً أنه تربى جيل كامل على العشوائية واتخاذ القرار في اللحظات الأخيرة، مما يفقدهم الكثير من الفرص نتيجة غياب التخطيط ويجعلهم عرضة للظروف، مضيفاً أن هناك جانباً آخر يدفع إلى تغييب التخطيط قسرياً ألا وهو ارتباط الكثير من الموطنين بقروض استهلاكية، وتجدها سمة غالبة لديهم، ومثل هذه القروض في الغالب سبب رئيسي للعشوائية، إضافةً إلى التزامات مالية أخرى مثل تكاليف السكن والمعيشة والمدارس وغيرها، وبالتالي يستدين المواطن حتى يفي بالتزاماته، على الرغم أن راتب البعض يسمح بحياة كريمة إلاّ أن عشوائيته توقعه في أزمات مالية متكررة لا يستطيع الخروج منها بسهولة، مشيراً إلى أنه في السفر تجده حين يريد عمل حجز مبكر يكتشف أنه لا يملك المال حينها، وبالتالي يضطر أن يفوت فرصة الحصول على حجز مؤكد بسعر جيد، مما يدفعه لتأجيل الحجوزات إلى قبل السفر بأيام وتكون النتيجة مؤلمة؛ لأنه سيقع في مأزق الوقت والسعر أو أنه لن يجد مقعداً. مراجعة شاملة وأوضح "الزهراني" أن الخطوة الأهم في حياة كل إنسان هي المراجعة الشاملة لأسلوب حياته، وتحديد التزاماته والبدء بالأهم حتى لو امتد تخطيطه لهذا الأمر إلى عدة أعوام، مشيراً إلى تجارب للكثير من الأصدقاء والأقارب الذين يلجأون له طلباً للنصح والمشورة، مبيناً أن أول خطوة اتخذها هو كشف المستور والمصارحة، مثل ما يحدث مع الأطباء النفسيين حين تكون أول جلساتهم التعرف على كل تفاصيل حياة مرضاهم، ذاكراً أنه تبدأ رحلة التصحيح بالوقوف على جوانب الضعف والتهديدات التي تمثل سماتهم الشخصية، مؤكداً على أن البعض لا يبدأ خطوة المراجعة إلاّ في مرحلة متأخرة من حياته بعد أن تصل الأمور إلى درجة بالغة السوء قد تعصف بحياته الأسرية أو العملية، وهذا ما يصعب الحلول، في حين تكون بداية البعض الآخر موفقة بتدارك الموقف في مرحلة مناسبة تمكنه من استعادة ثقته بنفسه وتصحيح وضعه، ويبدأ حياة جديدة، رابطاً بين فقدان الحجوزات للسفر وبوصلة التخطيط الغائبة للفرد بصفة عامة، إلاّ ما كان لضرورة أو لظرف طارئ التي نكون عرضة لها جميعاً. عمل الحجوزات مُبكراً يضمن الحصول على مقاعد كافية لا يوجد خيارات بعد تقفيل الرحلات واكتمال المقاعد تفعيل الحجز الإلكتروني يُحقق اختيار الرحلة في الوقت المناسب عندما تُقرر السفر يجب أن يسبق ذلك تخطيط بفترة كافية عبدالإله الزهراني علي القحطاني مجدي مندورة