يكثر هذه الأيام الزحام في "المولات" والتجمعات التجارية للانتهاء من شراء طلبات واحتياجات العيد، حيث ترى الأسر تخرج جميعاً أو فراداً لقضاء التزاماتها قبل صبيحة العيد، ومع هذا الازدحام نرى ازدحاماً من نوع آخر وهو تواجد المتسولين والمتسولات بأطفالهم ولكن هذه المرة ليس فقط عند الإشارات كالمعتاد، وإنما يتنقلون بين أكثر من موقع بحسب تواجد الجمهور، فمثلاً في أول النهار عند المستشفيات ومحطات الوقود على طرق السفر، وبعد العصر عند المطاعم ومراكز التسويق الغذائي، وبعد العشاء في المساجد، وبعد التراويح في "المولات" والأسواق الشعبية، ثم يعودون مرة أخرى عند صلاة التهجد في آخر الليل، حيث تستمر هذه الرحلة أكثر من (15) ساعة متواصلة، ومن دون عطلة نهاية الأسبوع، أو طلب إجازة استثنائية أو مبكرة، وإنما على طول الشهر الكريم. واللافت في هذه الرحلة أمران، الأول اصطحاب الأطفال الرضع لا ستدرار عطف الناس، والثاني أن كثيراً من المواطنين لا يزالون على سجية التعاطف مع هؤلاء "العصابات" التي احترفت التسول بحثاً عن المال على حساب جهلنا وعاطفتنا التي ضحكوا عليها كثيراً. مكافحة التسول: اعترفوا بترويج مخدرات وممارسة رذيلة حقوق الإنسان: يستأجرون الأطفال لاستدرار عطف الناس هذه المناظر المتكررة التي تصفعنا يومياً في غدوّنا ورواحنا يُبرِز أمامنا تساؤل مقلق: إلى متى نظل مجبورين لرؤية هذه الجموع البشرية في طرقاتنا وعند الصرّافات والبنوك وأماكن العبادة والمجمعات التجارية؟، كما ينبثق سؤال لا يقل أهمية وهو: هل جميع من يمارس هذا العمل هم من المخالفين للنظام أم أن هناك مواطنين ومواطنات بينهم ؟، وإن كانت الإجابة بنعم، لمِ يلجؤون إلى هذا العمل في ظل وجود الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية وغيرها من روافد العون والمساعدة في بلادنا التي يمتد خيرها وعونها لكل أصقاع العالم. يذكر أن عدد مكاتب مكافحة التسول في المملكة يصل إلى أربعة مكاتب في كل من الرياضوجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة، وهو ما يعتبره البعض غير كافٍ للقضاء على ظاهرة التسوّل، في حين يبلغ عدد مكاتب المتابعة الاجتماعية ثمانية، في كل من الخرج والدمام والأحساء والطائف وأبها وتبوك وحائل والقصيم، إذ تركّز هذه المكاتب في درس حالات المتسولين السعوديين للتعرف على مشكلاتهم والعمل على علاجها، وتتولى الجهات الأمنية معالجة أوضاع المتسولين غير السعوديين. "عصابة" محترفة! وقال "فضل اللحياني" إن منظر المتسولين مؤلم، خاصة حين يكون الطفل الرضيع وسيلة لاستدرار عطف الناس، ومحاولة لكسب المزيد من المال، مشيراً إلى أن أسوأ ما تراه فعلاً هو طفل مغلوب على أمره، أو رضيع في حضن أمه، وهو يجلس في عين الشمس وتحت درجات حرارة مرتفعة، ويستنشق عوادم السيارات لغرض التسول، مشيراً إلى أن العمل غير إنساني أبداً، ولا يجوز السكوت عنه. وأضاف أن معظم أفراد المجتمع يتعاطفون معهم؛ لمساعدة الأطفال الأبرياء، ولكن ما يدرينا إن كان هذا الطفل ليس من ضمن "عصابة" التسول؟ أو إنه فعلاً محتاج؟ أم إنه مستغل من قبل المحتالين؟، مبيناً أن التسول دخل زمن الاحتراف ولم يعد تصرفاً عرضياً، ذاكراً أن المتسولين وأغلبهم نساء قد يكن غير سعوديات استغللن الزي النسائي المتمثّل في الحجاب لإخفاء هويتهن، وأحياناً يكونون رجالاً تحت هذه العباءة لتستر أعمالهم المشينة. وأشار إلى أن هناك إشكالية تتركز في إمكانية نشوء "عصابات" تعتمد أسلوب حياة قائم على التسول وتوزيع عدد من الأطفال والنساء في مواقع متفرقة ومدروسة وكأنهم يتجهون بهم لمواقع العمل، مقترحاً تخصيص خط ساخن إلى جانب توعية المجتمع بضرورة التبليغ عن حالات التسول، وأن تكون هناك سرعة استجابة من قبل الجهات عند تلقي البلاغ، مبيناً أن ضعف تفاعل المسؤولين تجاه البلاغات يجعل أفراد المجتمع يتعاملون ببرود مع هذه الظاهرة. انكسار الطفولة وأكدت "ريم علي" على أنها ضد التسول وإذا رأت متسولاً رجلاً كان أم امرأة فإنها لا تعطيه شيئاً، إلاّ أنها تضعف -على حد قولها- إذا رأت طفلاً يتسول، قائلة:"ينكسر قلبي فأعطيه ما تجود به نفسي، خاصة وأنني أرى فيهم أطفالي، ومن حقهم أن يعيشوا طفولتهم بعيداً عن الامتهان والعوز والحاجة". وتفسّر "منيرة الحاسن" تعاطفها مع المتسولين مع أطفالهم بأنها لا تقوى على رؤية انكسار عين الطفل، مضيفة أن هناك أطفالًا انتزعت من عيونهم البراءة، فتراهم يطلبون منك وعيونهم مفتوحة؛ مما يدل على تبلد مشاعرهم وعدم شعورهم بالإحراج من ذلك الفعل القبيح، بينما هناك من يستجدي وهو ينظر بالأرض مما يشعرك بأنه مرغم على فعل ذلك!. "أطفال مستأجرون"! وذكر "فهد العبداللطيف" أنَّ مُشاهدة المُتسوِّلين والمُتسوِّلات مع أبنائهم أو "أطفال مستأجرين" في الشوارع والمجمعات التجارية وعند الصرفات؛ أصبح ظاهرة أعتاد عليها الجميع، وساهم في انتشارها مدّ يد العون لهم من قبل النساء أكثر من الرجال، مضيفاً أن تواجدهم بهذه الطريقة يطرح العديد من التساؤلات حول هُويَّتهم الحقيقيَّة، داعياً الجهات المعنيَّة إلى ممارسة دورها ومعاقبة من يمارسونها من باب الكسب غير المشروع، وتحديداً العزف على أوتار عاطفة من يرغبون في عمل الخير ونيل الأجر، إلى جانب دراسة حالة المُتسوِّلين والمُتسوِّلات من المواطنين ومساعدتهم بالطرق الرسميَّة، وكذلك العمل على إيجاد وسائل بديلةً تُوفِّر لهم حياةً أفضل، وتكفيهم عن سؤال الناس. تعاون المواطنين ودعا "تركي العتيبي" إلى ضرورة تعاون المواطنين مع الجهود المبذولة في سبيل القضاء على هذه الظاهرة غير الحضاريَّة، عبر الامتناع عن دفع المبالغ الماليَّة للمُتسوِّلين والمُتسوِّلات، والبحث عن المحتاجين الحقيقيين الذين منعهم الحياء من الخروج إلى ممارسة هذه العادة المشينة، أو التنسيق مع المكاتب الدعويَّة والجمعيَّات الخيريَّة لدفع هذه المبالغ إلى المستحقين الحقيقيين، مبيناً أن مُعظم المُتسوِّلين والمُتسوِّلات هم في الأساس من الأفراد المُقيمين بطريقةٍ غير نظاميَّة أو ممَّن يدخلون إلى المملكة بطرق ملتوية!. تعاون مفقود! وأكد الأستاذ "يوسف السيالي" -مدير مكافحة التسول في وزارة الشؤون الاجتماعية- على أنه طالما هناك أشخاص ينفقون صدقاتهم وزكواتهم بطرق عشوائية؛ فإنك ستجد في المقابل من يتلقى تلك الصدقات والزكوات، مطالباً المواطنين بالتعاون مع مكاتب مكافحة التسول ودفع زكواتهم وصدقاتهم للجمعيات الخيرية. وقال:"من الصعوبة القضاء على ظاهرة التسول"، واصفاً إياها بأنها ظاهرة اجتماعية لا يخلو منها أي مجتمع، منوهاً بجهود مكاتب المكافحة للحد من انتشارها، موضحاً أن بعض المتسولين يتخذون هذه المهنة كغطاء لبعض القضايا الأمنية مثل ترويج المخدرات وممارسة الرذيلة، وتم اكتشاف مثل هذه السلوكيات الخاطئة من خلال اعتراف صريح من مرتكبي ذلك السلوك ونتائج التحقيق التي تجريها الجهات الأمنية، واصفاً عدم تعاون المواطنين مع فرق مكافحة التسول بأنها "من أبرز المعوقات التي تواجه مكاتب مكافحة التسول في القيام بمهامها"، مشيراً إلى أن ذلك يؤدي لإعاقة أعمال الفرق الميدانية لمكافحة وتشجيع المتسولين على امتهان التسول. وأضاف أن مكاتب مكافحة التسول أعدت خططاً خاصة لمواجهة ممتهني التسول من أجل التصدي لهذه الظاهرة، من خلال التعاون مع عدد من الجهات الحكومية كوزارة الداخلية ووزارة الشؤون الاجتماعية والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتكثيف الحملات الأمنية المشتركة للقبض على المتسولين. حماية الطفولة وأوضح "د. إبراهيم الشدّي" -المتحدث الرسمي باسم هيئة حقوق الإنسان- أن المملكة وقعت على اتفاق يهدف إلى منع استغلال الأطفال في الأعمال التجارية والإباحية، مشيراً إلى أن هيئة حقوق الإنسان تتابع مع الجهات الأمنية ووزارة الشؤون الاجتماعية باستمرار مثل هذه المواضيع التي تعد انتهاكاً لحقوق الإنسان والطفل، وذلك سعياً منها إلى الحد من ظاهرة الأطفال المتسولين في الشوارع. واعتبر "د. الشدي" تعاطف أفراد المجتمع مع الأطفال المتسولين يسهم في تزايدهم، قائلاً:"الأطفال مع الأسف هم مستأجرون لأداء هذه المهمة، ولولا أن هناك عصابات تجد من يقدم المال لهؤلاء الأطفال لتوقفوا عن عملهم". تشديد العقوبة وأوضح "د. محمد فتحي" -أستاذ علم نفس مشارك- أنَّ من المشاهد المُثيرة للعاطفة مشهد امرأة تجرّ وراءها عددًا من الأطفال وتحمل الرضيع وتطالبك بالنظر بعين الرحمة لهم، أو رجل رثّ الملابس تبدو عليه ملامح البؤس والشقاء يحمل بين يديه طفلاً مريضاً أو معوقاً مُتحدثين عن معاناتهم وقلَّة حيلتهم في توفير ما يحتاجه الأطفال من عناية وعلاج، وملابس للعيد؛ مما يستثير مشاعر المتسوقين الدينيَّة والإنسانيَّة، ويدفعهم إلى تقديم الصدقة إرضاءً لربهم وضمائرهم، لافتاً إلى أنَّ المُتصدِّق يُعدُّ المتسبب الأول في تفاقم الظاهرة واستمرارها، وكأنه يُكافئهم ويُشجِّعهم على الاستمرار في التسوُّل. وقال:"عند التمعُّن في الأسباب النفسيَّة لنشأة سلوك التسوُّل وأسباب استمراره؛ نجد أن وسيلة الكسب الوفير بأقل مجهود عقليّ أو بدنيّ، وغياب الرقيب من أبرز الأسباب"، مُوضحاً أنَّ الشخص الطبيعي يترفَّع وينأى بنفسه عن مُمارسة التسول؛ لما فيها من الذُّل والمهانة وهدر الكرامة، ذاكراً أنَّ علاج هذه الظاهرة يجب أن يبدأ من المُتصدِّق نفسه، إلى جانب تشديد العقوبة على المُتسوِّلين والتضييق عليهم، وكذلك استحداث نظام يُجرِّم ممارسة التسوُّل. رضيع يجوب الشوارع مع متسولة انتهكت حقوق الإنسان «عدسة: معاذ اليحيى» عصابات التسول تدفع بالأطفال الأجانب إلى الشارع بحثاً عن المال د. إبراهيم الشدّي يوسف السيالي